Saturday, 11 April 2015

خذوا الحكمة من أفواه الأربعينيين


... وفي الأربعين تأتي الحكمة.
هذا ما سمعته مراراً...  وهذا ما لمسته حقاً عند بلوغي الأربعين.
كنت أعتقد أن الحكمة المقصودة أن تعرف كل شيء وأي شيء.
فوجدت أنها في أن ترضى بمعرفة أنك لا تعرف كل شيء وأي شيء.
وإن كان من نصيحة أقدمها أنا الأربعينية الفخورة لبنات أخواتي، لصديقاتي ولكل من لم تلامس الأربعين بعد، فهي: انتظرن الأربعين!
انتظرنه لأنه العمر الذي سيجعلكن أكثر تصالحاً مع ذواتكن ومع الآخرين.
السبب ليس في أنكن لن تخطئن كالسابق وليس لأن الناس سيصبحون أكثر رقياً وإحساساً،  بل ببساطة لأنكن لن تهتممن بالقدر نفسه.
 وجدت ُ أنا، محدثة الأربعين، أنني أصبحت أكثر قدرة على تجاوز هفوات الآخرين وأخطائهم. ليس تسامحاً وإنما تجاهلاً...
وفي عمر الأربعين وصلت إلى القناعة الذهبية ومفادها أن الحياة مليئة بكل أنواع البشر وليس كما كنت أعتقد سابقا بأنهم إما أشرار وإما طيبون على طول الخط.
ستجدون يا أيها المقبلون والمقبلات على هذا العمر المخضرم  أن الطيب يخطئ، تماما كما ستتعلمون رؤية بعض حسنات "الأشرار".
والأحلى؟ قطعة الحلوى التي ستزين قالب الحلوى في عيدكم الأربعيني؟ هي أن المزعجين أو المتربصين أو التافهين والسخفاء سيختفون وكأن لا وجود لهم! سيمرون إلى جنبكم ومن أمامكم ومن ورائكم وستجدون أن حجاباً من السكينة نزل على قلبكم بحيث تستطيعون تجاهلهم وعدم الإحساس بوجودهم أساساً.
في الأربعين ستشعرون بأن الزمن غفلة وبأنكم على طريق لا رجوع منه. ستحبون أكثر، ستصالحون من يعز عليكم فراقه وسترفسون من لا طاقة لكم على تحمله، فلا وقت لديكم تضيعونه على التفاهات والتافهين.   
هذه هي بعض بركات عمر الأربعين.... انتظروني إن أمدّ الله بعمري لأخبركم عن انطباعاتي ... الخمسينية J

Friday, 13 February 2015

فلذة من الكبد


سأحدّثكم عن "بيين" و"فيوك".

إسمهما صعب ومختلف لأنّهما من فيتنام... "بيين" و"فيوك" توأمان في الثالثة من عمرهما. رقيقتان حتّى العظم، جميلتان على رغم اللون الأصفر الذي يصبغ جلدهما ويدمغهما بمرض جينيّ صعب.

لِمَ أحدّثكم عن هذا التوأم الفيتناميّ وكيف بلَغَتني أخبارهما أصلاً؟

وصلت "بيين" و"فيوك" إلى كندا عام 2012. لم تكن "جوان واغنر" أو زوجها "مايكل" في وارد البحث عن الطفل الأجمل لتبنّيه. لم يكن في بالهما ما يشغلنا عادة عن فكرة الطفل الكامل، الممتلئ صحّة والأشقر ذي العيون الملوّنة. ولم يعمد الزوجان "واغنر" إلى تبنّي الطفلتين المريضتين لأنّهما حرما من نعمة الإنجاب. جوان ومايكل أبوان لخمسة أطفال من صلبهما ولصبيّين آخرين تبنيّاهما أيضاً من فيتنام. مع "بيين و"فيوك" يصل عدد أطفال عائلة "واغنر" إلى تسعة أطفال. هل هذا يجعلهما عائلة كبيرة؟ تتسائل جوان على مدوّنتها الخاصّة، لتجيب ب"لا" قاطعة: "عائلتنا قوس قزح جميل، مزيج رائع من أطفال ولدوا من الجسد، من الروح، ومن القلب".

تفاني هذين الزوجين الكنديّين وتربيتهما الفتاتين كابنتين حقيقيّتين لا لبس فيه. الفتاتان بحاجة لعملية جراحية لزراعة كبد بديل لكبديهما المعطّلين. الفحوص المخبريّة أجازت ل"مايكل" التبرّع بجزء من كبده لإنقاذ حياة إحدى ابنتيه. "جوان" أطلقت حملة إعلاميّة للبحث عن متبرّع آخر ملائم للطفلة الثانية.

وهكذا وصلتني قصّة "بيين" و"فيوك".

أمّا لِمَ أحدّثكم عن الطفلتين؟ لأنّني سألت نفسي عندما قرأت القصّة: هل خُلقت جوان وزوجها من طينة تختلف عنّا؟

كيف لقلبهما أن يتّسع لمحبّة تسعة أطفال ولمداواة فتاتين هشّتين مع ما يرتّبه ذلك من أعباء جسديّة ونفسيّة وماديّة هائلة فيما نعجز نحن؟

مايكل يقدّم اليوم فلذة من كبده لابنة تُعتبر في أعرافنا السائدة "ليست فلذة من كبده".

ربّما حالة "بيين" و"فيوك" حالة استثنائيّة بسبب مرضهما لكنّ ظاهرة التبنّي منتشرة في الغرب عامّة وفي كندا خاصّة بشكل هائل وملموس. حتّى لمن لديه أطفال من صلبه يعتبر التبنّي واجباً ومساهمةً إنسانيّة تجاه الأقلّ حظّاً.

كم من عائلاتنا تعيش حرمانها من الإنجاب بحرقة وبصمت؟ ما العدل في أن نشهد عذاب الحرمان فيما مئات آلاف الأطفال الأصحّاء يجوعون ويموتون قهراً وعذاباً في الشوارع أو حتّى في مؤسّسات تدّعي رعايتهم لتتسوّل باسمهم ثمّ تسرقهم وترميهم عالةً بلا ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل؟

لِمَ أخبركم عن "بيين" و"فيوك"؟ ببساطة لأسأل: لِمَ لا يتمّ تشريع وإجازة وانتشار ثقافة التبنّي في بلداننا؟ بالتأكيد مع ملاحظة كافّة حقوق الطفل المتبنّى في معرفة أصله وصون موروثه الثقافيّ والاجتماعيّ وحتّى الدينيّ. فكّروا بالأمر. لربّما أدخل الأمر بعض السعادة إلى قلب والدين حنونين والكثير من الدفء إلى معدة طفل جائع وجسده.
 
مدونة "جوان واغنر":


رابط صفحتها على الفايسبوك:

Thursday, 29 January 2015

لف تاهور -الطائفة المنبوذة


لا شيء يخرق هدوء الشتاء الكنديّ وسكينته. الثلج هو العنصر الأبرز الذي يرسم الكنديّون على أساسه جلّ تفاصيل حياتهم. لكنّ الوضع كان مختلفاً خلال الشتاء الماضي في إحدى المدن الكنديّة الصغيرة جنوبيّ مقاطعة أونتاريو، حيث فوجئت مدينة شاتام بانتقال مجموعة يهوديّة متشدّدة للعيش فيها.

أسلوب حياة تلك المجموعة، لباسها، وكيفيّة هبوطها على المدينة بين ليلة وضحاها، هزّت السائد في تلك المدينة الريفيّة التي أصبحت فجأة تحت الضوء.

أتوا فجأة، وأثاروا الكثير من الضجّة، ومن ثمّ رحلوا، تاركين خلفهم الكثير من علامات الاستفهام.

اختيار المكان لم يأتِ عبثاً. بدت شاتام المدينة النائية المثالية لمجموعة مثل «لف تاهور»، تهدف الى إعادة تموضعها لحين هدوء الضجّة حولها. ففي منتصف إحدى ليالي شهر تشرين الثاني العام 2013، استأجرت المجموعة المؤلّفة من نحو أربعين عائلة حافلتين كبيرتين، وتركت كلّ شيء وراءها في مقاطعة كيبيك، ممضية ساعات طويلة على الطريق قبل أن تستقرّ في مجمّع من البيوت المستأجرة على أطراف شاتام.

تُروى الكثير من القصص عن عمليّة الهروب المنظّمة تلك، وأسبابها وظروفها، وكلّها تصب في مكان واحد: ثمّة ما يثير الريبة بشأن القادمين الجدد!

لقراءة التحقيق كاملاً كما نُشر في جريدة السفير اللبنانية يمكن الضغط على الرابط التالي: 


ما هي أو من هي "لف تاهور"


ما هي اللغة التي يتحدثون بها  والتي أوجدت بعض الصعوبة في تواصلي معهم


لمحة عن المعارك القانونية لطائفة "لف تاهور" ومؤسسها الحاخام شلومو هلبرانز


ما هو رأي الجماعات اليهوديّة التقليديّة بطائفة "لف تاهور"؟

Thursday, 8 January 2015

الطينة من العجينة




في منطقة الروشة اللبنانيّة وفي نقطة استراتيجيّة، كانت ترتفع يافطة عملاقة كُتب عليها:
 "لبنان وسوريا، شعبٌ واحد في دولتين"
لم أتمعّن سابقاً في جملة الرئيس حافظ الأسد. لربّما شعرت سابقاً أنّها من أبواب الدجل  السياسيّ وكلام الإنشاء المعتاد بين "الشعبين الشقيقين".
فكِّروا بالجملة... كم كان الرجل محقّاً.
الأمثلة  عديدة. آخرها، ولن يكون الأخير بالتأكيد، التقرير السفيه في جريدة "النهار" اللبنانيّة عن السوريّين في شارع الحمرا.
صياغة التقرير، وإن كانت صادمة، إلّا أنّها ليست جديدة لا على بعض الأقلام  اللبنانيّة ولا على بعض الصحف اللبنانيّة و"النهار" أبرزها. قرأنا مقالات كثيرة مشابهة على امتداد مِحَن هذا الوطن. كاتب المقال نفسه كان ليُعَد "غريباً" في بعض المناطق اللبنانيّة إبّان الحرب. لا يهمّ اسمه ولونه، كان ليكون مجرد "محمود" آخر.
أذكر أن إحدى الزميلات استطلعت قبل سنوات طويلة نظرة بعض سكان "المنطقة الشرقية" لأهل "الغربية". تذكرون التسمية بلا شك والتي لم تعنِ الجغرافيا بقدر ما عنت هذا النفَس التقسيميّ ذاته الذي نشهده اليوم. نتيجة الاستطلاع على ما أذكر كانت أنّ "كل أهل الغربيّة نَوَر ويلبسون الكثير من الثياب الملوّنة". يعني "مش Class."
لكن هل يعني ذلك أنّ كلّ أهل الشرقيّة كانوا عنصريّين وأنّ كلّ أهل الغربيّة كانوا ملائكة؟ المؤكّد أنّ لبنان من شماله لجنوبه خلطة عنصريّة وطائفيّة متكاملة.
ما لفتني اليوم وجعلني أتذكّر كلّ هذا التاريخ المريض هو أنّ تعليقات وردود بعض الأخوة السوريّين لم تكن أقلّ عنصريّة من المقال سيّئ الذكر. من السهل تفهّم غضبهم وإحساسهم بالإهانة لكن ليس من السهل تقبّل بعض ما كُتب.

الخلاصة: حافظ الأسد كان على حق. نحن شعب واحد، لا فرق بيننا. نهتف لسياسيين يأكلوننا لحماً ويرموننا عظماً، نطعن بائسينا ونقدس الفاسدين... وانتهى بنا الحال متفرجين على أطلال وطنينا.
فينا الأشقر وفينا الأسمر لكن المؤكّد أن كلينا "نسوّد" الوجه.

 

Monday, 15 December 2014

...عنصرية متأصلة


بعض الأمور تحفر عميقاً في وجداننا فيستحيل نسيانها.

نسيت الكثير على مدى الأعوام التي عشتها وأعمل جاهدة على نسيان بعضها الآخر.

لكنّني لا أنسى مثلاً الحديث العنصريّ المستفزّ واللاأخلاقيّ لإحدى الصحفيّات اللبنانيّات. تلك التي عايرت مهجّري الجنوب إبان حرب 2006 بأنّها طبخت لهم وأطعمتهم في عزّ هربهم وأزمتهم وخوفهم.

البعض التمس العذر لتلك الإعلامية على اعتبار أنّ كلامها جاء في معرض التنديد بأحداث بيروت عام 2008. يعني هي ندمت على موقف إنسانيّ وأخلاقيّ قامت به تجاه مواطنيها الأبرياء العزّل بسبب موقف سياسيّ وعسكريّ لحزب سياسيّ وعسكريّ قام بواحدة من جولات الحروب الكثيرة التي شهدها وطننا العظيم على كافّة أراضيه ومن كافّة أطيافه وطوائفه.

أعود إلى تلك الإعلامية "الزميلة" تلك لأذكّر نفسي وغيري بأنّه من لم ولا يقبل منطقها عليه أن يرفض اليوم وبقوّة ممارسات البعض (أفراداً ودولة) تجاه اللاجئين السوريّين العزّل بدورهم، والأبرياء بدورهم، وهم أيضاً بأمسّ الحاجة إلينا اليوم في عزّ هربهم وأزمتهم وخوفهم.

في الحالتين، حالة الندم على مساعدة أهل الجنوب وحالة العنصريّة الهمجيّة في التعاطي مع اللاجئين السوريّين، نجد أنفسنا أمام تأكيد مؤلم لحقيقة أنّ بعضنا فوقيّ بطبعه، عنصريّ بتربيته، وهمجيّ بممارساته.

لا يهمّ متى وأين تظهر عنصريّتنا فهي كامنة أبداً فينا، تظهر تارة تجاه العاملات الأفريقيّات والآسيويّات، وطوراً تجاه الوافدين السودانيّين والعراقيّين. وهي اليوم تأخذ شكل الطقس الوطنيّ في تمظهرها حيال اللاجئين السوريّين.

غوث اللاجئ أو المحتاج، مساندته، وفي الحدّ الأدنى تحمّله، موقف إنسانيّ وأخلاقيّ ومبدأيّ لا يتطلّب بعداً دينياً ولا توافقاً سياسيّاً ولا حتّى قدرة ماليّة. كلّ ما يتطلّبه تربية مدنيّة نفتقر إلى الحدّ الأدنى منها.

... صباحات قديمة


يأتي صوتهما عاليا ً ككل صباح، يبدآن نهارهما في باحة منزلهما وكأنها واحدة من غرف البيت  الداخلية.

يمر أبو محمد فتنده له الحجة ليدخل. "القهوة جاهزة". تصرخ بصوت جهوري حاد. صوتها لا يعكر وضوح نشرة أخبار البي بي سي التي يستمعان اليها.

تمر شاحنة مسرعة وتكاد تصطدم بسيارة على الكوع تحت نافذتي مباشرة.

وأنا أحاول إكمال نومي في دفء سريري.

صوت المذياع عالياً في المطبخ . أمي في روتينها اليومي تستمع لدعاء الصباح بصوت السيد فضل الله.

تفتح ابنتي باب غرفة النوم لتوقظني.

جسدي هنا حيث أولادي يبدأون ضجتهم الصباحية المعتادة، حيث لا حجة ولا أبو محمد ولا بي بي سي ولا أمي. جسدي يستيقظ هنا بعيدا آلاف الأميال عن هناك حيث ذاكرتي تنبض طازجة لا تعترف بمسافةٍ  ولا زمن.

خيّل إليّ لوهلة أنني سأخرج الى الشرفة لأرى ناس قريتي يتوجهون مسرعين الى سوق الجمعة وأنني سأدخل المطبخ لأعد قهوتي فأرى أمي منهمكةً  شأنها دائماً.

كان ليكون يوما ً مثالياً.

سأغادر فراشي الآن. سأدخل مطبخي الكندي البارد لأعدّ القهوة. لا شرفة هنا، لا سوق جمعة ولا أمي تستمع الى دعائها لكن نهاري سيبدأ بقبلات وضحكات ولا أروع من أطفالي الثلاثة.

ذاكرتي ستهمد تحت ضغط مهامي اليومية وسأبدأ نهاري بعيدا ً جدا ً عن حيث استيقظت منذ دقائق قليلة فقط.  

Friday, 5 December 2014

هي السما... وأكثر



هل سمعتم بوردة ٍ بلا رحيق؟
هل شهدتم ولو لمرّةٍ شمساً بلا نور؟
هذا ما كانت لتكون عليه حياتنا بلا شعرها الطويل المجدول.

**
في لحظات الفرح، الحزن، في كلّ همسةٍ من يومنا
هي النورُ في سمانا، هي عنبرنا والبخور
احفظها لنا ربّي... وعهداً لأصلّي لكلّ نبيّ ورسول

****
زينة ُ حياتي هي ونبض ُ القلب
يا رب أمِدَّها من عمري عمراً  واطرح في روحها من روحك نور
وكن لها في غدوها وفي الآصال حرزاً من كلّ عزول

******
حوريّة ٌ من ضلع الملائكة
أميرة ٌعطرها ورد ٌ... ملمسها عنبر
لا بركة في حياتنا بلا ملحها
لا طعم يحلو بلا هذا السكر

هي العمر ُ وما تبقّى...
هي الزاد ُ من العشيّ  للسَّحَر...
هي؟  هي السما... وأكثر

كندا
2014/11/9