Friday 21 October 2016

أين ذهبت اللطيفات؟



عندما كتبتُ قبل عامين أو ثلاثة عن بلوغي سنّ الأربعين، سنّ الاكتفاء والحكمة، لم أكن أعي أنّ هذا العمر ينبئ أيضاً بوضع ستارٍ ما بين "جيلي" ومن هنّ أصغر سنّاً.

من الصعب على من هنّ مثلي في هذا العمر الوسط النظر إلى المرآة وتحديد لأي فئة عمريّة ينتمين.
لسنا بالتأكيد يافعات، ولا نريد ذلك فقد تعبنا لنصل إلى هذه المرحلة بحلوها ومرّها، لكنّنا أيضاً لسنا بمثل من نظنّ أنّ عليه جدّاتنا وأمّهاتنا وقد بلغن من العمر عتيّاً.

حالنا من حال من هم في سنّ المراهقة، لا طفولة كاملة ولا رجولة أو أنوثة طافحة. نحن ما بين بين.

وفي منتصف هذا العمر نلتقي بمن هنّ أصغر ولا نملك إلّا أن نجري هذه المقارنة: كم يشبهننا قبل سنوات؟

التعميم لا يصيب دائماً... لكنّني بدأت ألاحظ منذ فترة بأنّني لم أعد ألتقي بمَن يشبهننا أنا وصديقاتي. كنّا يافعات فينا من الطموح والتمرّد الكثير، لكنّنا أيضاً كنّا نتحلّى بالالتزام وبالحماس لقضايا عامّة. كنّا (وما زلنا) مثابرات وحريصات على النجاح لكن أيضاً كنّا (وما زلنا) نتحلّى بالحنان والشغف.

فتيات اليوم يرغبن بكل شيء ولا أقلّ من ذلك. يردن النجاح المهنيّ ويردن الزوج الثريّ ويردن الجسم الرشيق المثاليّ ويردن الحياة الاجتماعيّة النشطة.... يردن كلّ ذلك وفي سبيل الوصول إليه لا مانع من بعض الخسائر "العابرة".

هذه الخسائر لا تلتفت اليها صبايا اليوم في خضمّ المنافسة: في العمل، في صالات الرياضة، وحتّى على الطريق. لاحظوا مثلاً أنّ السائق الذكر يتساهل أكثر على الطريق من الأنثى التي قلّما تفسح المجال لمرور سيّارة أخرى. ولاحظوا أيضاً عزوف النساء عن الاقتراع لنساء مثلهنّ في المناصب العامّة رغم حاجتهنّ الماسّة لمن يمثّلهنّ في المراكز القياديّة.

التاريخ الطويل والمضني من التمييز بحقّ النساء جعلنا نربّي بناتنا على خوض الحروب الدائمة. بدءاً من جسدهنّ بحيث لا يتحمّلن كيلوغراماً زائداً أو تجعيدة غير مشدودة مروراً بكيفية التعامل مع زملائهنّ في العمل وصولاً الى علاقاتهنّ بالرجل.

حربٌ دائمة جعلت من اللطف ضعفاً ومن التواضع مذمّةً ومن الابتسامة سلعةً تحضر وتغيب بحسب المصلحة.

وفي المعمعة لعلّ الغائب الأكبر هو السلام الداخليّ الذي يترك المجال واسعاً لقواعد السوق الجديدة: إناث بلاستيكيّات، جميلات قالباً، باردات قلباً، حاضرات دائماً لأيّ تحدٍّ طالما أنّه لا يتضمّن لطفاً صادقاً يشعّ من حنايا القلب ومن ومضات العيون.