Friday 13 February 2015

فلذة من الكبد


سأحدّثكم عن "بيين" و"فيوك".

إسمهما صعب ومختلف لأنّهما من فيتنام... "بيين" و"فيوك" توأمان في الثالثة من عمرهما. رقيقتان حتّى العظم، جميلتان على رغم اللون الأصفر الذي يصبغ جلدهما ويدمغهما بمرض جينيّ صعب.

لِمَ أحدّثكم عن هذا التوأم الفيتناميّ وكيف بلَغَتني أخبارهما أصلاً؟

وصلت "بيين" و"فيوك" إلى كندا عام 2012. لم تكن "جوان واغنر" أو زوجها "مايكل" في وارد البحث عن الطفل الأجمل لتبنّيه. لم يكن في بالهما ما يشغلنا عادة عن فكرة الطفل الكامل، الممتلئ صحّة والأشقر ذي العيون الملوّنة. ولم يعمد الزوجان "واغنر" إلى تبنّي الطفلتين المريضتين لأنّهما حرما من نعمة الإنجاب. جوان ومايكل أبوان لخمسة أطفال من صلبهما ولصبيّين آخرين تبنيّاهما أيضاً من فيتنام. مع "بيين و"فيوك" يصل عدد أطفال عائلة "واغنر" إلى تسعة أطفال. هل هذا يجعلهما عائلة كبيرة؟ تتسائل جوان على مدوّنتها الخاصّة، لتجيب ب"لا" قاطعة: "عائلتنا قوس قزح جميل، مزيج رائع من أطفال ولدوا من الجسد، من الروح، ومن القلب".

تفاني هذين الزوجين الكنديّين وتربيتهما الفتاتين كابنتين حقيقيّتين لا لبس فيه. الفتاتان بحاجة لعملية جراحية لزراعة كبد بديل لكبديهما المعطّلين. الفحوص المخبريّة أجازت ل"مايكل" التبرّع بجزء من كبده لإنقاذ حياة إحدى ابنتيه. "جوان" أطلقت حملة إعلاميّة للبحث عن متبرّع آخر ملائم للطفلة الثانية.

وهكذا وصلتني قصّة "بيين" و"فيوك".

أمّا لِمَ أحدّثكم عن الطفلتين؟ لأنّني سألت نفسي عندما قرأت القصّة: هل خُلقت جوان وزوجها من طينة تختلف عنّا؟

كيف لقلبهما أن يتّسع لمحبّة تسعة أطفال ولمداواة فتاتين هشّتين مع ما يرتّبه ذلك من أعباء جسديّة ونفسيّة وماديّة هائلة فيما نعجز نحن؟

مايكل يقدّم اليوم فلذة من كبده لابنة تُعتبر في أعرافنا السائدة "ليست فلذة من كبده".

ربّما حالة "بيين" و"فيوك" حالة استثنائيّة بسبب مرضهما لكنّ ظاهرة التبنّي منتشرة في الغرب عامّة وفي كندا خاصّة بشكل هائل وملموس. حتّى لمن لديه أطفال من صلبه يعتبر التبنّي واجباً ومساهمةً إنسانيّة تجاه الأقلّ حظّاً.

كم من عائلاتنا تعيش حرمانها من الإنجاب بحرقة وبصمت؟ ما العدل في أن نشهد عذاب الحرمان فيما مئات آلاف الأطفال الأصحّاء يجوعون ويموتون قهراً وعذاباً في الشوارع أو حتّى في مؤسّسات تدّعي رعايتهم لتتسوّل باسمهم ثمّ تسرقهم وترميهم عالةً بلا ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل؟

لِمَ أخبركم عن "بيين" و"فيوك"؟ ببساطة لأسأل: لِمَ لا يتمّ تشريع وإجازة وانتشار ثقافة التبنّي في بلداننا؟ بالتأكيد مع ملاحظة كافّة حقوق الطفل المتبنّى في معرفة أصله وصون موروثه الثقافيّ والاجتماعيّ وحتّى الدينيّ. فكّروا بالأمر. لربّما أدخل الأمر بعض السعادة إلى قلب والدين حنونين والكثير من الدفء إلى معدة طفل جائع وجسده.
 
مدونة "جوان واغنر":


رابط صفحتها على الفايسبوك:

No comments:

Post a Comment