Friday 31 March 2023

خمسون... مع سبق الإصرار


هل مثلي من يهرول مقتحماً عمره؟

منذ سنوات أجدني أقول إنّني خمسينية فيستكثرها من يعرف عمري ويمتعضون من ادعاء الكبر

لكنني خمسينيّة منذ سنوات. عشتها وملأتها وشعرتها وفاضت بها أيام الفرح والخيبة والإنجازات والإخفاقات وكلّ الانتصارات الصغيرة

كنت خمسينيّة في كلّ سنوات الشباب. عندما اعتقدت أنّني لن أسقط في الحفرة نفسها وبأنّني صرت أكثر حكمة وقدرة على الحكم فكنت أركض وأركض لأسقط على وجهي في كلّ مرة ومن ثمّ أترفّع لأنتفض وأجدني صرت أكثر صلابة وقدرة على التحمّل

كنت خمسينيّة في تخطيط سنوات التشرّد ورسم ملامح المستقبل بجدّية عجوز تعرف أنّ العمر يمضي فتنسج يوميّاتها حكاياتٍ تخبّئها لدفاتر العمر

لعلّني ما زلت على بعد خطوة واحدة من الخمسين في علم الحساب. لكن لموازين الحياة رأيها وثقلها، وأنا خمسينيّة قبل أن أصلها وخمسينيّة عندما أتجاوزها وخمسينيّة عندما أنظر إلى المرآة فأغوص في ذكريات العمر دفعة واحدة. فالخطّ بين عينيّ له حكاية العند الذي لم أملك التخلّص منه وقد حاولت مراراً، وحاجبيّ التويا من حدّة غضبي عندما كانت تقوم الساعة وتهزّ كياني وأمضي أياماً أحاول فيها ترتيب ثناياي المبعثرة فأفلح مرّة وأفشل مرّات، وماء العينين أمطار جاهزة للتساقط خلسة، لتجفّ بلحظة

أنا خمسينيّة ما زالت تناضل كطفلة لترويض عثراتها وتكلّم نفسها بأنّني غداً سأتعلّم الدرس وأنّني غداً سأردّ الصاع صاعين فيأتي الغد وأجدني الزاهدة في كلّ شيء ما عدا طمأنينة القلب وألق الروح والقلّة الصادقة

أنا الخمسينيّة التي يكفيها أن تضع رأسها بين كفّيها لتبتسم بامتنان. فالكلمة الطيّبة هي التي ستبقى، وتلك التي كان سهمها سامّاً مرّت برداً وسلاماً. فالخمسينيّة تعرف ما لها وما عليها، وتقدّر النعم وتعتزّ بكلّ الامتحانات. تلك التي كانت وتلك التي ستأتي