Friday 4 July 2014

فراق الياسمين



لي هذا الصيف موعد أجّلته لست سنوات.

موعدي مع ياسمينة الدار، تلك التي تسند الباب المقفل على عمر من الذكريات.
سأسألها لعلّها تدلّني على الطريق إليه، هو الذي زرعها بقوة ساعديه شاباً ورواها بحنو تعب السنين كهلاً. 

العالم في وادٍ وأنا في واد... ناسٌ تموت وناسٌ تحيا، ناسٌ تُدفن وأخرى تُظلم وأنا أفكّر في استحقاقٍ شخصي يضغط على قلبي.
لمَ الآن؟ بعد سنوات ستٍ بالتمام والكمال؟
لا أعلم
لمَ أكتب عنه؟
لأنني أريد توثيقه بحيث أعجز عن التهرب منه لاحقاً.

عندما توفي أبي لم أحظ بوداع يليق بابنة ولم أشيعه كما يليق بوالد...
قبعت في غربتي، تابعت التشييع ومراسم الدفن بالواسطة...حظيت بدعمٍ أحمله ديناً في ذمتي من كثير من أصدقاء الغربة... تجنبت قدر استطاعتي تلقي اتصالات العزاء التي لم تكن إلا لتذر ملحاً على جرح لم أرغب بالاعتراف به.
لعلني خارجة عن السرب ولعلني جاحدة لكنني أعترف بأن عبارات العزاء التقليدية تصيبني بحزن مقيت... ما الذي تعنيه عبارة:  "البقية بحياتك"؟ أي بقية؟ ولم يجب أن يغادر أحد الأحبة ليبقى من عمره عمرا في حياتنا؟ 
 
لكنني بعد شهور قصيرة قلبت الصفحة وتعاملت مع غياب أبي بإنكار طفولي وكأنه ما زال أبداً جالساً هناك ينتظر قدومي ليربت بيده الصغيرة على كتفي بحياء لا يتناسب مع موقع الأبوة التقليدي.
لم أزر قبر أبي يوما ولا أعرف لضريحه طريقاً.
أن أزور تلك البقعة المتربة الصغيرة... أن أجلس أرضاً لأتلمس بلاطة باردة صماء، أن أكبت تلك الدمعة المخنوقة عند عنقي كما فعلت في كل مرة زرت فيها ضريح أمي،  يعني أنه لن ينتظرني بعد اليوم، لن يمنح أطفالي الحلوى ولن يُجلس ولديّ الى جانبه في شاحنته العملاقة ليأخذهما في رحلة غير منطقية وبلا ذات جدوى الى "العين" لجلب المياه "الصافية".

لم الآن؟ لا أعلم
أحتاج الى هذه الرحلة لأضمد ذلك الحزن الساكن عمق الأعماق. أقنع نفسي بأن أبي يحتاج  هذه الزيارة أيضاً ليعلم بأن عزوفي ليس تقصيرا ولا عقوقا وإنما...