Sunday 8 December 2013

إلى أرواح المغادرين وكل ما أخذوه معهم...



كبرنا ونحن نسمع: "من يمت لن يأخذ معه شيء"

العبرة من هذه المقولة الخالدة أنه لا جدوى للطمع ولم أشكّك يوماً بعمق المقولة الحكيمة وأبعادها

لكنني اليوم أفكر بكلّ من غادرنا وأشكّك بالمقولة بقوة

من يمت يأخذ معه الكثير من الأشياء. يحرمنا نحن الأحياء من حيّز هائل من طفولتنا الضائعة على حين غرّة

أفكر اليوم بأنني عندما سأعود يوماً الى قريتي، تلك التي تسكن مخيّلتي وذاكرتي سأكون الغريبة التي لن تجد بسمة "ناديا" بانتظارها

"أبو كمال" لن يكون على عادته مستنداً الى عامود الكهرباء وكأنّه يخاف عليه مغبّة السقوط

كثر لن يكونوا هناك ليكملوا ما أعرفه عن مشهد القرية المثالية

"أديبة" لن تجلس على عتبة منزلها بملل تكرّره كلّ يوم وتنجح بأن تبدو وكأنّها بانتظار أمر جلل كلّ يوم

ذلك الحي الذي أعرفه حيّاً نابضاً بباب دكان أبي المفتوح سيكون مقفراً، فباب الدكّان الحديدي بات موصداً على كثير من القصص المعروفة والمجهولة

من رحلوا... ويرحلون يأخذون الكثير من الأشياء الغالية معهم
يجردون الأمكنة من الحياة ويجعلونها... مجرد أمكنة
 ويجرّدوننا فجأة من طمأنينتنا الى أن ما ومن نحبّ سيبقى بانتظارنا مهما طال الوقت.

Tuesday 15 October 2013

غدٌ بلا أمل...


على وعدٍ وأملٍ بغدٍ أحلى نمضي...

ليس لعيشنا الرغيد ولا لبالنا الخالي بل فقط لوعدٍ بأن الغد لن يحمل معه هذا الكمّ من مآسي البشر نمضي
نرى الموتى يصارعون ليبقوا فيلتهمهم البحر
نشهد المهجرين في كل أصقاع الأرض يأكلون الصخر فتمتلئ بطونهم بالحصى ولا يعودون
أطفال يُنتهكون وبالغون يُجردون من إنسانيتهم
ونحن نسمع آهات المعذبين في أرضنا
فنوصد آذاننا ونرتقب أغنية صادحة تعدنا بأن الغد أجمل

وننتظر...
ننتظر أن ترفق السفينة الغارقة بأحلام المقهورين
وننتظر لعل أرض الخراب تستقيم ياسمينا ً دمشقياً من جديد
نحرّض الحزنَ المستعمرَ جدران البؤساء على النظر إلى صورنا الضاحكة

وننتظر...
لكن الغد الأجمل لم يأتِ بعد والموتى يزدادون موتاً وغرقاً وقهراً
وأخجل كلما طالعت صورنا الضاحكة لأنني لا أرى فيها إلا بؤس الناظرين

يا أيها العيد ويا موعده الرتيب في كل عام كن رؤوفاً على من ينام الليلة بلا سقفٍ ويجوع بلا مؤونةٍ ويبكي بلا دموع

يا ايها العيد الكئيب، كن رؤوفاً أو لا تكُن...

Tuesday 11 June 2013

حاجز طيار


في واحدة من أيام الحرب اللبنانية البشعة كان والدي عائداً إلى البيت في شاحنته المحملة بالبضائع فاستوقفه "حاجز طيار" كما كان يُسمى في ذلك الحين على الطريق الساحلية بين بيروت والجنوب. بطاقة هوية والدي كانت تدينه وكان مرشحاً تلقائياً للقتل لا لشيء اقترفه أو آمن به بل لمجرد كونه مختلفاً عن أرباب ذاك الحاجز بمعتقده الديني. سيق والدي للقتل وخيّل إليه أنه على بعد دقائق من لقاء بارئه.

أبي عاش ثلاثين عاما بعد ذلك اليوم لكنه لم ينسه للحظة، كان يعد كل دقيقة عاشها بعد ذلك اليوم على أنها نعمة مكتسبة.

ما، أو، مَن أنقذ والدي يومها كان طفلاً لا يتجاوز التاسعة من عمره. صبياً اعتاد أن يرافق والدته في زياراتها العائلية الى قريتها المختلطة دينياً وأن يشتري الحلويات من دكان ملاصق لبيت جده. كان يحب البائع اللطيف المعروف لكل أهل القرية. ركض ذلك الولد يومها ليحضر والدته وينقذ والدي، بائع الدكان في قرية جديه من براثن موت محقق.

لم أكن مع والدي في ذلك اليوم، لكن لكثرة ما روى هذه القصة بت أتخيلها كفيلم سينمائي وغالباً ما أبكي عندما أصل الى مشهد النهاية إذ تتراءى لي تلك السيدة وابنها كملاكين مسيحيين ينقذان جارهما المسلم.

الأخلاق الحميدة والعشرة الطيبة لم تنتف يوما من البشر، لا في عز الحرب الأهلية الماضية ولا في عز الحرب الأهلية الحالية. عندما أقرأ اليوم كتابات تقطر سماً لكنها تتلطى بالحياد على اعتبار انها مجرد ناقل لآراء الآخرين، عندما أتابع شخصيات إعلامية وثقافية ودينية ترطن بلغة بذيئة ومنحطة هدفها الشحن الطائفي والمذهبي وعندما أشهد بأم العين كيف أن كل "عنزة" تعود سريعاً لترتبط عقائدياً واجتماعياً "بكرعوبها"، عندما أصطدم بكل هذه الضحالة الأخلاقية والإنسانية المستشرية والمستترة أحياناً بغلاف رقيق من العفة والتحضر، ألتفت سريعاً الى النماذج المضيئة بين أصدقائي وصديقاتي وهي كثيرة. أتشبث ببراثن هؤلاء الأصدقاء لأحصّن نفسي وأولادي من أتون الكره والجهل. أحياناً أترقب أصدقاء ومنهم من هُجّرت عائلته أو نكّل بها أو قُتل بعض أفرادها، فلا أجد إلا ترفعاً عن اتهام الكل بجريرة البعض ولا أرى إلا حرصاً على الإنسان في زمن استسهال القتل والقذف والذم.

أمني نفسي بأن هؤلاء الأصدقاء المختلفين عني إما ديناً وإما مذهباً وحتى في بعض الآراء والمواقف السياسية سيحولون دون ذبحي يوماً أنا وأولادي على "حاجز طيار" جديد.
لكن لا أملك إلا أن أسأل: من يحميني ممن يقتلني معنوياً وبشكل يومي بسكين كلماته المسمومة ويتفاخر بأنه لم يرق دماً؟

من يحميني من المثقف المحرِض أو الإعلامي المتاجر بالدم، من السياسي العفن أو المعَمَم الجاهل، من الصديقة أو الصديق والزميلة أو الزميل؟ هم لم يرقوا دمي اليوم لكنهم يهدرونه كل يوم!

هؤلاء، عن قصد أو عن جهل، يهاجمون الشعائر لا الموقف السياسي! عن قصد أو عن جهل يبنون على مظاهر شكلية مختلفة ويهملون جوهر العقيدة الواحد... فلمَ تصرّون على حمل وزر دمي يا قتلة؟

سأصلّي الليلة كما في كل ليلة، مسبلة اليدين منكبة على التربة الكربلائية علّ رب السماوات التي تشرق على جميع البشر، يرسل لي ملاكاً يصلي عاقد اليدين ينقذني على حاجز طيار كان لبنانياً في سبعينيات القرن الماضي فأصبح عربياً في الألفية الثالثة. ولتحيا القومية العربية فجاهلية الحاضر أثبتت أننا فعلاً شعب واحد لم يغادر يوماً سقيفة بني ساعدة.


Thursday 16 May 2013

أين الملاذ؟


 **
لأنني أؤمن أن الكتابة ليست فعل تسلية ومجرد إفراغ عاطفي أكتب اليوم عن حالة عل فيها بعض العبر.

عندما قررنا زوجي وأنا الهجرة الى كندا قبل سنوات قليلة كان المستقبل الأفضل لعائلتنا ولأطفالنا هو البوصلة التي وجهت خطواتنا. قرأنا الكثير، سألنا، عملنا كمحققين على مدى شهور بحيث نخفف قدر الإمكان من قدر ومن وقع المفاجآت غير السارة. أطمئنكم أن هذا البحث المسبق أثمر في كثير من القرارات التي تبين لاحقاً أنها صائبة وبقوة. لكن الزهو ببعض التفاصيل ليس هدف هذا البوح. على العكس انه عن المفاجآت او الاكتشافات التي لا يمكن لأي شخص أن يحيط بها جمعيها  قبل الخوض في تفاصيل الحياة اليومية.

وجدنا بشر هذه الأرض على غير طينتنا وهو ما كنا قد سمعناه سابقاً. يبتسمون كثيرا... وهذه تحديداً من الملاحظات التي أربكتني في الشهور الأولى. فردة  فعلي الأولى عند النظر الى غريب أو غريبة  كان دائما إشاحة النظر  من دون إبداء أي بادرة مغايرة لواقع انهم غرباء عني. لعلكم أكثر لطافة مني، لكنني بصراحة  قلما ابتسم لغريب أو لغريبة، ربما لأن الثقافة والتربية التي نشأنا عليها غالباً ما تعلمنا الاحتراس من التفسير الخاطئ لأي همسة أو لفتة قد تصدر عنا. ذكورا كنا أو إناثاً.

المهم، كنت أتعامل مع أشخاص مبتسمين طيلة الوقت، ودودين غالباً وعلى استعداد دائم لفتح الأحاديث السريعة الإيجابية التي لا تعني الكثير غالباً.  لعلها دردشات عن طفلتي، عن الطقس، عن الأسعار، لكنها كانت تحمل الكثير من الاحساس بوجودي. لم تكن تشبه أبداً شعوري مثلاً عند مشاركة المصعد مع أحدهم أو إحداهن في أي دولة من دولنا العربية من دون  ولا أدنى تحية أو ابتسامة! مجرد تجاهل تام لوجود شخص آخر يشاطرك سنتيمترات قليلة وهواء محدود ولو للحظات. كنت وما زلت أكره تلك الثوان في المصعد وأتجنبها كورطة.

الابتسامة، الرعاية الصحية المجانية، التعليم المجاني، جواز السفر الذي يعفينا من إذلال السفارات....كلها أمور نعرفها عن مزايا الهجرة الى الغرب عموما وفي حالتي الى كندا خصوصاً. لكن ماذا عن البيروقراطية المرافقة لهذه الرعاية الصحية والتي قد تجبرك أحيانا على انتظار شهور  قبل زيارة الطبيب؟ ماذا عن جودة التعليم المجاني التي تخفي بين طياتها الكثير من القطب المخفية ؟

القول أن لكل شيئ وجهين ليس تنظيراً في خيارنا وقرارنا الهجرة وترك مجتمعاتنا. هذا القول يجب أن يكون حافزا للبحث دائماً عن الجهة المقابلة التي لا نراها للوهلة الأولى وقد ننكر وجودها أصلاً. التعليم هنا مجاني ومتاح للجميع وهي نعمة لا نحلم بها في دولنا هذا صحيح لكن هذا لا يعني أن نولي النظام التعليمي هنا ثقة عمياء.كلنا سمع عن التعليم المجاني في كندا لكن من سمع عما يُسمى هنا "لعبة الاختناق"؟  "لعبة"!  تخيلوا انها تسمى لعبة! وهي وسيلة مرعبة ومميتة والأهم انها شائعة هنا وعلى نطاق واسع  بين أطفال لا يتجاوز عمرهم الأحد عشر عاماً.

هذا البوح اليوم هو لحثكم على البحث عن هذه اللعبة تحديداً والتنبه لمخاطرها. هذا البوح هو لمشاطرتكم واحدة من معارك الهجرة التي قد لا ترقى الى مستوى معارك القتل والتخوين والتكفير التي تجتاح يوميات مشرقنا المريض لكنها تبقى تحدياً عندما تقررون اقتحامه  فعلى الأقل احرصوا على خوضه  بعين مفتوحة الى أقصى الحدود.

*** لمعلومات أكثر عن  "لعبة الاختناق" زوروا:
ولمعلومات أوفى عن بعض تحديات النظام التعليمي  الكندي زوروا:

 

Tuesday 9 April 2013

يا للخيبة


العمر يمضي. بهفواته وبزلاته، بإنجازاته وبإحباطاته...أراه يمضي متناثرا من بين أصابعي، أحاول اقتناصه،أتمرد على قسوته، أداعبه ببعض المرح، ببعض الفرح... فيستكين لفترة.
لكنه سرعان ما يكبح. أراني معه، نواجه معاً مطباً هنا، عثرة ً هناك فينتفض قالبا عليّ كل ما شهده من مواجع.
ها هو يقرصني اليوم على أعتاب ميلادي الأربعيني. "أفيقي"...قال.
"أفيقي ولا تهدريني جزافاً بين المنحدرات".
"لنجري كشف حسابنا المؤجل"، اقترح عمري متحدياً، "ما الأقسى الذي واجهناه معاً؟ الحروب؟ إنها علقم الجغرافيا ولا حول لنا فيها. الموت؟ وهل تعلمين الى أين مضى الغائبون؟ لعلهم في مكان أفضل ينتظرون التحاقنا بهم بأناة وشوق.
المرض؟ إنه التجربة التي لا بد منها ليكتمل المشهد على طريق الغياب
ما الأقسى؟ الغربة؟ الترحال؟"
قاطعتُه: إنها الخيبة... فصَمَت.
إنها الخيبة...كانت الأصعب على مدى سنواتي الأربعين يا عمري. الموت والغياب عوضهما حنان لامتناهٍ وإيمان عميق بقدرة القدر.
المرض، الغربة، الحروب كبيرها وصغيرها؟ كلها حجارة على هذا الدرب...تماماً كما قلت يا عمري.
صدقاً، إنها الخيبة...لعلها أكثر ما حفر في سنواتي الأربعين...الخيبة من الأشخاص ومن الأشياء ومن الأمكنة.
الخيبة من بشر فرشتُ لهم قلباً مطواعاً في كل الظروف فإما استخفوا بمعدنه، وإما / وهذا الأقسى/ اعتبروه تحصيلاً حاصلاً وليس قرارا ًواعياً بمنحهم المودة الخالصة عن سابق إصرار وبلا طمع سوى بمعاملة بالمثل.
الأمكنة؟ تلك التي أعطيتها انتماءاً بلا حدود فرفستني مرة بعد أخرى ولم تزل.
الأشياء؟ إنها كل ما لا أجد له اسماً ولا تفسيراً، لعله طبق حلوى بدا متعة للعين لكن طعمه لم يرقَ لحلاوة منظره. لعله مشوار انتظرته أياماً فركنني على الرف في عطلة الأسبوع. لعله عنوان سعيت لاستكشافه بحماسة ففتح بابه مواربة وبلا أدنى ترحيب. لعله حلماً طاردته حتى تعبت من مجرد التفكير به وعجزت عن تحقيقه.
إنها الخيبة، تلجمني على أعتاب أربعيني من أن أحلم بغد فيه بشر وأمكنة وأشياء من طينة مختلفة فيتكرر المشهد، بل تتكرر الخيبة.

 

Monday 8 April 2013

جمهورية الحمرا المتحدة


قبل سنوات اقترح الحقوقي المخضرم، النائب والوزير، والمنضم حديثا الى نادي النخبة المستهدفة: بطرس حرب، اقترح منع بيع الأراضي والعقارات بين الطوائف المختلفة في لبنان. اقتراح جوبه بالرفض والاستهجان والاستنكار  من البعض (وأنا منهم) علما انه ورغما عن أنوفنا لم يكن إلا اقتراحا بقانون وضعي لحالة متجسدة فعلياً.

ما يعيدني اليوم الى ذاك الاقتراح المقيت هو صورة حزينة صادفتها قبل فترة على الفايس بوك ولفت نظري انها عابرة للطوائف.

الصورة كانت لرجل مسن حمل كل سنواته الطويلة، خيباته،جوعه ربما، فقره وعوزه واستلقى على قارعة الطريق في شارع الحمرا في عز برد الشتاء!

صورة المسن المتشرد تنقلت أمام ناظري من جدار الى جدار وعبرت بقدرة قادر من الثامن الى الرابع عشر وما بينهما ولم تثر لدى أحد من أصدقائي المتنوعين أي حساسية من أي مذهب أو دين!

 يطيب لي أن أعتقد أن السبب هو اندثار مفاجئ لمرض الطائفية المتغلغل في أواصرنا بوعي أحيانا ومن دون وعي في معظم الأحيان. لَكَم كان يحلو وسيطيب لي هذا الاعتقاد، لكن فكرة المكان بقيت تلح عليّ مهما حاولت استبعادها.

مثلاً لو كانت الصورة نفسها للرجل عاثر الحظ نفسه التقطت في طرابلس أو صيدا على سبيل المثال ألم يكن ليقيّمها البعض بنظرية : أين أغنياء الطائفة السنية من هذه الصورة؟ ها هو سعد الحريري يتنعم بأمواله على منحدرات التزلج في جبال الألب فيما هذا الرجل المسكين يئن جوعا ً وبرداً؟

لو كانت الصورة نفسها، للرجل المسكين نفسه، التقطت في الضاحية الجنوبية لبيروت ألم يكن البعض ليتساءل: أين حزب الله من فقراء الطائفة الشيعية؟ كيف له أن يصرف الأموال الطائلة على سلاحه ولا يلتفت الى أوجاع وحاجة الفقراء من طائفته ومنطقته.

المنطق نفسه سيكون هنا أو هناك. وأعلم علم اليقين انني كنت لأواجه بعضه فيما لو التُقطت الصورة نفسها في انطلياس أو الأشرفية أو بنت جبيل أو عكار أو بعقلين أو أي بقعة لبنانية أخرى.

الفرز الطائفي وصل الى عقولنا وإلى قلوبنا قبل أن يصل الى مناطقنا وقبل ان يصل الى بطرس حرب واقتراحه المقيت وقبل وبعد أن يُقر القانون الأرثوّذوكسي. هذه القوانين ليست إلا مرآة لنا ولتفكيرنا وللبناننا المريض الذي نتغنى بجماله مع كل طلعة صباح متجاهلين حقيقة ساطعة بأن آلاف القتلى والمخطوفين ُفقدوا في حرب أهلية وليس مع أي عدو خارجي جنوبا كان أو شمالا.

صورة الرجل المسن، الفقير، المستلقي في عز برد شباط التقطت على رصيف شارع الحمرا وجعلتنا نعيش للحظات نادرة شعور الإنسان والمواطن الحقيقي.

 تعاطف أصدقائي من ألوان وشهور مختلفة مع حاجة هذا المسن وعوزه، شاركوه الخيبة واليأس من هذا الوطن المريض ولم يسعوا لإلصاقه وإلحاقه كما جرت العادة بطائفة أو بزعيم.

 شارع الحمرا الذي يضم (أو كان يضم) مقاه ودور نشر ومؤسسات متنوعة يضم ذكرياتي الأجمل، ومهما نبتت أماكن جديدة واختراعات حضارية على جوانب المدينة ما زال يختصر بيروت التي أحب وأراه اليوم يختصر لبنان الذي أحب. يكفي شارع الحمرا فخراً أنه من المناطق القليلة المتبقية في لبنان الذي لم يخضع (بعد) للفرز الطائفي...