Saturday 19 May 2012

طرابلس، بعيداً هناك

منذ أيام والفايس بوك مصدري شبه الحصري لمتابعة أخبار مدينة طرابلس التي تعيش استحقاقاً خطيراً ليس بالجديد وهو إن همد لأيام معدودة سرعان ما ينبثق ناراً من تحت الرماد
أبحث عن أخبار طرابلس فلا أجد شيئاً... اللّهم إلا تلميحة من هنا أو تلميحة من هناك!
تلميحات لا ترقى الى حدث يهمّ بإشعال حرب لم ننسَ طعمها بعد
فقط صديقتي الطرابلسية تستصرخ بحرقة: طرابلس ليست قندهار... أتابعها... تشدّ همّتها مستنهضة مجتمعاً مدنياً ميتاً، تشجّع حيناً، تهوّل، تذكّر، ترجو، بل تترجّى... تدعو الغائب والحاضر لنجدة مدينتها، تلقى بعض التجاوب والكثير من الاتهامات المذهبية... من قال إن طرابلس للجميع؟
تبدو شبه وحيدة في معركة نخّاسوها كثر
أفهمها، عشت هذا الشعور مراراً وتكراراً، ظلم العدو لم يؤلمني يوماً كما تجاهل وربّما شماتة الصديق والأخ والجار. أفهمها، لطالما تعاطى البعض مع جبل عامل بصفته الجنوب البعيد والنائي للوطن
بدورها طرابلس التي تحوّلت الى طرابلسَين، تبدو اليوم بعيدة، بعيدة بحيث تعيش هي على وقع النار والقتل فيما باقي الوطن الشاسع ينأى بنفسه عن حربها
طرابلس تبدو فعلاً كأنها قندهار يا هناء ليس لإنغلاقها يوماً بعد آخر على نفسها في بوتقة الإمارة الإسلامية بل لأننا نتعاطى مع أخبارها بمنطق ال"هُناك"، بمنطق ال "هُم" وال "نحن"...
هذا اللبنان لم يصبح دولة يوماً، كان قبائل متناحرة وبقي قبائل متناحرة
فقط في هذه القارة من التناقضات المسمّاة لبنان يمكن لعلوي أن ينتسب لجبل محسن لا الى طرابلس، كما يمكن للسنّي ان ينتسب إلى باب التبانة وليس الى طرابلس... وغداً هذا وذاك سينتسبان الى مذهبهما والى عائلتيهما
فقط في هذه القارة من التناقضات، يمكن لأهل طرابلس ان يعيشوا حرباً لا يتعاطف معها أبناء "الوطن" الآخرين بينما هي تحكم خيوطها على رقبة كل واحد منهم
تماماً كما يمكن لأهل الجنوب أن يحتفلوا بعد أيام بعيد انتصارهم الذي لا يقدره ولا يشعر اهل البلد الآخرين انهم معنيون به
فقط في هذه القارّة اللبنانية يمكن أن تعيش كلّ منطقة على وقع حروبها الخاصة، لها أعداؤها فترجمهم، وشهداؤها فتبجّلهم وأبناؤها فتستنزفهم
فقط في هذه القارّة يصبح جبل عامل أقرب الى طهران وطرابلس أقرب الى قندهار
قلبي يؤلمني. طرابلس تؤلمني. أليست جهة الشمال؟

Wednesday 2 May 2012

بلا اسم... بلا وجه


*

لم أرها يوماً...

أساساً لم يبقَ لها وجه لأراه... لكنّها لا تبارح تفكيري ولو للحظة...

لم أسمع لها صوتاً  لكن صوتها يسكن وجداني وقلبي...

أنا أجلس خلف شاشتي في رفاهية منزلي

وهي المرمية قطعةَ لحم لا يتجاوز عمرها الأربع وعشرين ساعة...

أنا التي تستسهل التنظير في مآسٍ لم تعشها

وهي... ذات الاربع وعشرين ساعة التي تختصر عمراً بل عصراً... وقل دهراً من المآسي

أنا التي يُخيّل إليّ في سكون يومي وضجيجه أنني أسمع صراخها

وهي الموؤودة بلا وأد

القتيلة بلا قتل

والمرجومة بلا رجم

وهي... كل ذلك وأكثر

هي التي انتفى من قلب ووجدان مَن لقّح ومَن ولدتها كل ذرة من أدنى شعور يملكه الحيوان قبل الإنسان فرمياها لوحوش الفلا التي افترستها وتركتها قطعاً متناثرة...

هي كلّ ذلك... بجسدها الممزّق... قطعةً قطعة دليل على همجية مملكة الإنسان بما يتخطى كل الكائنات

هي... التي مرت خفيفة كطيفها بما يُعد بالثوان على نشرة أخبار متلفزة ومن ثم اختفى أثرها

أليست هي من سيسأل يوماً بأي ذنب قُطّعت؟

أؤمن بأنها ستسأل..وأؤمن بأنها ستُجاب

أحبُ  إلها ً رحمن رحيم، ملك لا يبال بدنس البشر

إلهي منزّهٌ عن الالتفات الى لحظات الخلوة  والمتعة لكن عرشه يهتز...  لها  هي... إلهي الذي أحبه وأعبده وأشكره وأؤمن به لا  يُعيرهما بالا ً لكنه  أنصت الى صراخها ... تُقضم  وتُرمى

إلهي... رؤوف... إحتضن رفاتها وسيُحيي عظامها من رميم لتؤشّر عليهما  في اليوم الموعود...

إن كنتما قد رميتماها للوحوش مخافة الله أو من يعبدونه فمن المؤكد أنكم تعنون إلهاً آخر..

من المؤكد أن... لكم إلهكم ولي إلهي...

* (عرضت قناة الجديد لقطات مموهة لجثة "لقيطة" لا يتجاوز عمرها الاربع وعشرين ساعة رميت في الأحراش حيث التهمتها الحيوانات!)