Sunday 15 April 2012

إرهابية...حتى إشعار آخر







*

قيل قديماً "في السفر سبع فوائد"، وأنا أمنّي النفس مع كل فرصة ممكنة بجني فوائد جديدة.

يحلو لي أن أستكشف مدناً غريبة، أن أرى إذا كان فيها ما يشبهني، وما يشبه بلدي القريب البعيد،علّني أستعيده ولو غيابياً. أحب أن أتذوق نكهات جديدة فأعود الى نكهة إقامتي أكثر قناعة وحيوية.
..كل ذلك لم يعد مهماً بشروط العالم الحديث الموصوف تحبّباً بالقرية الصغيرة. ما أحبه أو أكرهه لم يعد له من مكان ولا من حساب.
حسابات السفر الجديدة تتلخّص بسؤال يُفترض أن لا علاقة له بالسفر: من أنت؟
وأنا إنسانة عربية مسلمة، محظوظة تبعاً للمقاييس العالمية الحالية بلون أبيض وعيون ملوّنة، لكن هذا الحظ لا يتخطى عتبة جواز سفري، ففيه أصلي وفصلي وهما متّهمان تلقائياً بسوء النية وبالرغبة في إبادة الآخر وقضمه وتفجيره.
أنا إرهابية الاسم والمولد ويجب ان أكيّف رغباتي بالسفر تبعاً لهذا الواقع.

سأمنع نفسي عن مجرّد التفكير بزيارة عاصمة النور، فشروط السفارة الفرنسية تبدأ بأخذ بصمات الأصابع وتمر بقرنية العين وقد تنتهي بنحو شهر من الزمن.
وللسفارة الأميركية قصة أخرى، إنتتظار في صف طويل لا ينتهي، الإجابة "طوعا ً " عن أسئلة مهينة بحق أي فتاة عربية، ومن ثم سماع الرفض المغلف بكثير من التهذيب وربما..بابتسامة!
والقائمة تطول..شمالاً، جنوباً، شرقاً وغرباً.
بضع دول، ولأسباب أجهلها، قررت أخيراً تيسير سفر الإرهابيين من أمثالي إليها من دون تأشيرة دخول!
تصوّروا انا التي أقف في صف انتظار طويل في المطار أنظر بحسرة لإفرنجيين يدخلون ويخرجون بلا ولا شي، يقتلون القتيل بطريقة استعراضية ويحملون حقائبهم السياحية ويمروا امام موظف الأمن مرور الكرام، تصوروني أنا بكل ما يتضمنه جواز سفري اعتباطياً من لائحة اتهام طويلة، من أجندات افتراضية، من نوايا مبيتة، أنا صاحبة الهوية المشبوهة أعيش هذا النعيم في المطار!
لا يهم أي مطار ولا أي بلد، ولم يعد يهمني ما سأجنيه في سفري من فوائد، أريد هذا العزّ: دخولاً مزهواً بلا تأشيرة، بلا أن أخلع ساعتي وحزامي وكل ما أحمله في جيوبي. أريد أن أعود بريئة حتى يثبت العكس،أن أكون حفيدة كل من أسهم في رفد البشرية بما يفيد، أن أكون حفيدة الرازي والخوارزمي وجابر بن حيان وابن خلدون على سن ورمح.
أبشّركم! عشت هذه التجربة في مطار ماليزيا مؤخراً. لم  أصدق انّني أستطيع النزول من الطائرة، التقاط حقائبي ومغادرة المطار بلا ذل التفتيش والانتظار والنظرات المتهِمة والمشكِكة والمفتشة عما يُريب. ولا أخفيكم، أنا أخشى تلك النظرات وفي كل مرة أبدأ بحك دماغي، ماذا أكلت وماذا حلمت وما الذي سوّلته لي نفسي من أفكار قد تبيح لتلك النظرات ان تستبيح سكينتي.
في مطار ماليزيا، لم أصدق ما أعيشه من هناء وبقيت التفت ورائي بانتظار موظف الأمن الذي سيستدرك انني ارهابية الهوية التي ..مرت مرور الكرام.

الأمن لم يلحق بي، ودخلت ماليزيا وخرجت منها واستمتعت بطبيعتها ومطرها وفراشاتها وناسها المهذبين اللطفاء ولم يحاسبني أحد على لوني ولا على اسمي ولا على ديني.

كنت إنسانة بكل معنى الكلمة، بلا وصمة على جبيني، بلا تصنيف جاهز ولا مقولب. ويا له من عزّ قد أتعودُه وهذا امر خطير، ففي النهاية انا من انا، عربية مسلمة في زمن الإنكسار الكبير.
لعل هذا ما قصده رهين المحبسين ابا العلاء المعري بقوله: هذا ماجناه عليّ أبي!
فأنا إرهابية الأصل والفصل حتى إشعار آخر!
* نشر سابقاً في موقع 
 
CNBC عربية الالكتروني 

حينما تتوجك الكاميرا قاتلاً...

 
*

لم يفاجئني ولو لوهلة ما تداولته وسائل الإعلام العالمية عن برنامج ألعاب تلفزيوني نُفّذ وعُرض في فرنسا بتوقيع المخرج "كريستوف نيك".
Zone extreme، وهو اسم الحلقة التلفزيونية المزيفة، إختبر قدرة ثمانين مشتركاً على معاقبة شريكهم عندما يخطئ في الإجابة على أحد أسئلة "اللعبة التلفزيونية".
كان المطلوب من هؤلاء المشتركين صعق شريكهم في اللعبة بشحنة كهربائية، تبدأ بثمانين فولتاً وتصل الى 460 فولتاً قاتلة في كل مرة يخطئ فيها الشريك المسكين الذي لا يعرفونه، وهو أمر لم يجد فيه ثمانية مشتركين من أصل عشرة أيّ غضاضة طالما أن قواعد اللعبة التلفزيونية تطلب ذلك، تسمح بذلك، تشرّع ذلك!
إدارة البرنامج اختارت المشتركين الضحايا من الممثلين الذين أجادوا تمثيل الألم علّ صراخهم يُثني شريكهم عن تنفيذ "عقوبة الموت" بحقهم وهو أمر لم يحصل مع أولئك المشتركين الذين ارتأوا أنّ صعق الآخر وصولاً إلى قتله مقبول طالما أنه يتم تحت شعار العمل التلفزيوني!
لا يجدر بنتيجة التجربة الفرنسية هذه أن تصدمنا، فالواقع فرنسياً كان أو عربياً أو عالميا ً يؤشر الى ازدياد الحضور الطاغي لوسائل الإعلام عامةً والتلفزيون خاصةً في حياتنا ويدلّل تجربة بعد أخرى على قدرة تلك الوسائل على رسم ذائقتنا، وعلى هندسة تفكيرنا وتشكيل ذواتنا.
التلفزيون لم يعد آلة جامدة ناطقة صماء مفصولة عن حياتنا!
تابعت قبل فترة حلقة تلفزيونية عن سيدة تعود لتلتقي زوجها وطفلها بعد طول غياب.
منطقي الخاص كان يَفترض أن تسارع المرأة لاحتضان العزيزين، أن تنهمر دموعها، أن تكشف عن الوجه الإنساني الحنون والحقيقي.
حسابات السيدة كانت مختلفة!
شاهدتُها تتابع زوجها وابنها بعينيها في حين يركّز دماغها بوضوحٍ مفضوح على ما ستلتقطه الكاميرا.
كانت تشاهد نفسها معنا. كانت "الممثلة" موضوع الحلقة ومشاهِدتُها في الوقت ذاته ولم تترك لنفسها أن تغرق في وهج اللقاء، فوهج الشاشة الصغيرة كان أكبر.
أذكر أيضا أنني التقيت مرّة مغنية عربية معروفة، أذهلني اختلاف شكلها شخصياً عنه على الشاشة، لأستنتج لاحقاً أنها نفّذت من العمليات الجراحية ما يُرضي مقاييس الكاميرا التلفزيونية ولا هَمّ ما يراه الناظر إليها طبيعياً.
سبقتنا الدول الغربية الى تشريح هذه العلاقة الملتبسة بين الشاشة ومتابعيها، رصدت الحالة وسخرت منها أحياناً. لنأخذ مثلاً برامج المقالب التلفزيونية (خاصة المنتجة في كندا). فتلك البرامج تخلّت عن فكرة الكاميرا الخفية التي أخذناها نحن لاحقاً لنسطّحها ونستهلكها بسذاجة ونصبت الكاميرا في الساحات العامة بشكلً معلن وعندما يمارس الممثل مقلبه على مَن اختاره صدفة من المارين في الساحة نرصد مباشرةً ردّ فعل ذلك الشخص المسكين الذي ضبطته الكاميرا متلبساً المقلب! 
بعضهم يمضي وكأن شيئاً لم يكن كي لا ترصده الكاميرا في وضعٍ محرج.
معظمهم يضحكون.. ضحكةً صفراء مفتعلة تليق بالتلفزيون لأنها من شروطه.
هوليوود رسمت لنا الحالة بقدرتها الاستباقية المعهودة من خلال فيلم "ترومان شو" الذي أنتج عام 1998. قرية ترومان شو كلّها كانت تشاهد بطل الفيلم "جيم كاري" وتتابعه بدقائق حياته اليومية بل وتشارك في تمثيل حياته!
القرية كانت عبارة عن ممثلين يشاهدون أنفسهم.
بعد "الفيلم المصوّر " لعملية اغتيال الناشط الفلسطيني محمود المبحوح في إمارة دبي بتّ أبادر فور دخولي أي مصعدٍ عام لاستكشاف موضع الكاميرا، فقط ليطمئن قلبي. ولا أخفيكم بأنني أحياناً أبتسم لذاك "الأخ الأكبر" القابع خلف عدسة الكاميرا الصغيرة!
ربما هذا ما نحن عليه اليوم، كائناتٌ تلفزيونية تعيش حياتها بشروط الكاميرا ومقاييسها. كائناتٌ تنفّذ يومياتها بما يليق ببرامج الواقع التلفزيونية.


*نشر سابقاً في موقع
CNBC عربية

Wednesday 11 April 2012

مبروك عليه

سيدي الرئيس،
مولاي الملك،
صاحب النيافة،
والسيادة والعظمة والقداسة والفخامة...
يا أنت كل ذلك ... وأكثر

رسالتي إليك من القلب فأرجو ان تفتح قلب الانسان تحت ردائك المزركش لتتقبلها
أعتذر بداية لتطفلي على أعبائك الرئاسية والرياضية والعائلية والترفيهية، ما كان هذا هدفي ولن يكون
قررت أن أكتب لك اليوم لأبرئ ذمتي أنا المجهولة البريئة من كل ما قد يتبادر الى ذهنك او الى مسامعك عن رغباتي غير المشروعة
فأنا يا سيدي لا رغبة لي بكرسيك ولا مطمع، أدرك وانا بكامل قواي العقلية بأنه لا طاقة لي على تحمل أعبائك الجسام
وانا يا سيدي لا رغبة لي بعرشك ولا بمجدك ولا حتى برصيدك
لا تصدق انني قد أحسدك على ما أنت فيه، فأنت لك العالم كله وأنا لي جدران اربعة
انت لك الدولة والهيبة والنظام وانا يكفيني مطبخ مع غرفة وحمام
انت يا مولاي مُجد ّ طموح وانا يا سيدي لا أنظر أبعد من أنفي الصغير "غير المجمّل"
لتفرح انت بإنجازاتك وحروبك وانتصاراتك ودعني انا أنعم بهناء أطفالي
ما يجمعنا انت وانا يا سيدي هو القلب النابض بين الأضلع فليدق قلبك لكل ما سبق ولتسمح لي بأن ينبض قلبي فداءً لأربعة
لتمض ِ انت في خططك، قصيرة، متوسطة وبعيدة المدى، داخل الحدود وخارج الحدود
ولتتركني أنا... مواطنة اللامكان أتمرغ طويلا في ثنايا أمنية وحيدة: سلام ُ جدران ٍ أربعة تضمني وتحمي عائلتي من كل أحلامك وخططك الطموحة...

Monday 9 April 2012

متى العودة؟

سألني إبني سؤالاً حرتُ في الإجابة عليه: لِمَ نحن هنا ومتى نعود؟

لم أحر الإجابة لانتفائها وإنما للتفكير في كيفية نقلها لطفل يمتلك أوهاماً عن وطن غير موجود.
هل أقول له إن الوطن الموعود مجرد أنشودة كُتبت في لحظة تجلٍ؟
هل أصدمه بحقيقتي بلده وسانتا كلوز الأسطوريتين؟
نحن هنا يا إبني لأننا استطعنا الفرار من ذاك القدر القاسي في أن نكون بهائم في حظيرة الوطن،
نحن هنا يا إبني لأن الحظ ابتسم لنا فاقتنصنا فرصة الارتقاء إلى مصاف الرعايا،
نحن هنا يا إبني لكن قلبي مع من بقي هناك راقداً تحت سياط اللعنات..
فلِمَ أعود يا رضا؟
لأراك ذليلاً في بلد لا يهضم الضحكة من القلب؟
لأراك تحت رحمة بلد يستعذب طعم الدم مع قهوة الصباح؟
أنا هنا يا إبني حتى إشعار آخر، حتى أضطر للشرب من البئر المسمومة فأتحمل جنون البقاء هناك.

أم رضا وجود... وسما

روت لي أمي يوماً انها كانت تحلم بامتلاك دفتر وقلم جديد.

أمي لم تخبرني قصة مفرحة عن طفولتها أو لعلها أخبرتني وأنا لم يلصق في مخيلتي إلا الحزين والمحبط من أحاديثها.
وأتساءل اليوم: هل هذا ما يبقى لنا من الأهل؟ قصص مروية فيها الكثير من الخيال والقليل من الواقع؟

لو عاد بي الوقت لسجلتُ كل ما قالته لي والدتي، وعندما ترحل كما فعلَت على حين غرة سيكون لي متسع توثيق ذكرياتي عنها، سأبوّبها: قسم للطفولة وآخر للجيران، قسم لعلاقتها بوالدي وقسم لطموحاتها وآمالها المنسية..

كانت أمي طموحة، كانت قوية وواقعية
أمي كانت.. لكن طواها النسيان
فماذا عني: أنا كنت؟ سأكون؟ ما الذي سيحفظه أولادي لي وعني؟
سأسجل لهما وبإرادتي الآن أنني أحببتهما أكثر من عمري، من حياتي ومن أي شيء في العالم.
هذه بديهيات لا تستحق التسجيل!
سأسجل لهما أن حياتي اكتملت بنورهما
سأسجل لهما أنني كنت أصارع لأكون
كنت أفتش عن الحزن لأن الفرح المتاح لم يكن يكفيني ولا يرويني، لم يكن حقيقياً: كان افتعالاً للحظات، كان مضيعة للوقت، كان هباءً منثوراً.
كنت ضائعة في محيط غريب مصاب بانفصامات اجتماعية خطيرة
كنت في خبر كان عُرّف بوجودهما
كنت فرداً وأصبحت عائلة
كنت رقماً وبتّ حاجة
كنت حلوة لكنني أصبحت الأحلى في عيونهما
كنت مشاكسة، غير مكتفية فأصبحت راضية مرضية لأنني أمهما

أم رضا وجود

دبي/ 13/1/2010

Sunday 8 April 2012

بروفايل سياسي

في أن تكون سياسياً في بلد الواق واق

أن تكون سياسياً في بلد الغينيس بوك يعني أن تتلوّن كالأفعى بمئة لون وتنظر بعيني ضحيتك بوقاحة لا متناهية،
أن تكون سياسياً في بلد التبولة يعني أن تتملق عرقك الآري ليلا نهارا استنهاضاً للهمم والدماء،
وأن تتسلق أكتاف نازحي البارد والساخن وكل المخيمات المهشمة إيحاءً بعروبة منقرضة،
أن تكون سياسياً في بلد الكمية والنوعية يعني أن هنالك كمية من البشر تُعد بالرؤوس اختارت أن تولي أمرها قواداً،
أن تكون سياسياً في بلد رواية التاريخ وشطب الجغرافيا يعني أن تكون بلا انتماء ولا هوية،
أن تكون سياسياً في بلد الأمجاد الزائفة يعني أن تكفر بكل المقدسات،
أن تكون سياسياً في بلد "حارة كل من إيدو إلو" يعني أنك تستطيع استبدال أي يد بمجرد بوسة،
أن تكون سياسياً في ذاك “اللا بلد” يعني أن أهله مقطوعين من شجرة وان الله قد رماهم بلعنة عاد وثمود.

أريد أن أعود إلى بيتي

أريد أن أعود إلى بيتي

أريد أن أجده في انتظاري كالعادة: يقف على مدخل منزلنا .. يلوح بيده مستعجلاً وكأنه منهمك في أمر جلل.
يعينني على ركن السيارة وكأنني لا أعرف أبجدية القيادة، خطوة الى الأمام خطوتين الى الوراء، الى جانب الحائط... ومهما فعلت لن أركنها كما يريد!
أريد لهذا الدلال المفرط أن يعود، أريد أن أجد زجاجات المياه بانتظاري على الطاولة حرصاً على معدتي الحساسة، وأريد لكل برغش العالم ان يختفي بمجهودات خارقة صيفا، بالرذاذ، بالآلة غير المجدية، بإقفال الباب، بقتل كل برغشة تسول لها نفسها أن تعبر منخل الشباك.
...
وشتاءً، أريد العودة الى بيتي لأجد البرد منزوياً على أعتاب غرفة نومي، عاجزاً عن الدخول بحكم الاستعدادات المنظمة، حرب على الهواء من فوق الباب ومن تحت الباب، مازوت في المدخل وغاز في الممر وشراشف تسد على النسمة مرورها من بين ثنايا الجدار.
فقط أريد أن أجده بانتظاري، فهل هذا كثير؟

دبي / 14 نيسان 2010