Tuesday 19 May 2015

لا، لا تديري خدك الأيسر



لاحظت قبل أيام طرف جرح صغير في أعلى كتف إبنتي التي لا تتجاوز الرابعة من عمرها.  كانت قد عادت لتوها من المدرسة وعند سؤالي أخبرتني بلغتها الطفولية أن صديقها حاول أخذ اللعبة منها بالقوة فجرحها. أمر طبيعي يحصل في كل المدارس وبين كل الأطفال وهو ما اتصلت المعلمة لاحقاً لقوله والتأكيد عليه. القصة أن "سما" راحت تبرر لهذا الطفل الذي يرافقها في صف الحضانة للسنة الثانية على التوالي بالقول إنه لم يقصد إيذاءها وبإنها ليست غاضبة منه.
هذه القصة على بساطتها أقلقتني وجعلتني أفكر ملياً. هل أوافق ابنتي على مسامحة صديقها سريعاً وأصرف نظر عن الموضوع أم أقتنص الفرصة لأعلم ابنتي أنه ليس من المقبول لأي شخص صغير أو كبير، قريب أو بعيد، أن يلمسها بقصد إيذاءها؟
لربما يعتبر البعض في أن ما أقوله مبالغة، ولربما هذا صحيح. لكن متى وأين هو الحد الفاصل الذي يجب أن تقف فيه الأنثى لردع من يحاول تعنيفها بقصد أو بغير قصد؟
أعذروني على المبالغة... لكنني سأعلّم ابنتي أن من يؤذيها نفسياً أو جسدياً لا يستحق منها ولو نظرة. سأقول لها أن المجتمع الظالم الذي يقبل على نسائه الذل والهوان لا يستحق أن تحترم قوانينه ولا أن تنضوي تحت جناحه. سأخبرها عما شهدته طيلة هذه السنوات: نساء معنفات، مظلومات من أقرب الأقرباء لا يستطعن التحرر من قيودهن بسبب ضغط أقرب الأقرباء...

 سأخبرها عن أن الأنثى تُظلم مرتين، مرة ممن يعنّفها بكلامه أو بقوة ساعديه ومرات ممن يطلب منها السكوت والرضوخ لسطوة القمع. لكن المؤكد أنني سأقول لإبنتي أن من يتجرأ على النيل من أي امرأة مهما كان وضعها الاجتماعي، عزباء كانت أو متزوجة، مطلقة كانت أو أرملة، أو لأي سيدةٍ تعرضت للخيانة على أنواعها ووصمِها بصفات سلبية، إنسان جاهل وسفيه لا يجب الالتفات لرأيه أو أخذه بعين الاعتبار.
سأقول لها أن ظلم بنات جنسها أنفسهن لمن تسوّل لها نفسها أن تتمرد أو تعترض قد يكون أشد مضاضة... فلا يلجُمنّها ذلك. هن الحرات المكسورةُ إرادتهن بفعل التربية والزمن.
سأقول لها: طيري يا "سما" وسع السماء حدودك، أنجبتك بلا قيد فلا تذعني لأي قيد. أنجبتك حرة مكرّمة، شريفة متَوجة فلا تلتفتي لمن يعاملك بأقل من ذلك.