Friday 3 July 2015

زمن داعشي



زحمة السير لا تُطاق. ساعتان لوجهة لا يتطلب الوصول إليها أكثر من خمس عشرة دقيقة... قيل لنا أن السبب تشييع أحد ضباط الجيش اللبناني الذين قضوا في المواجهات مع "داعش".
وفي المساء كان الوصول إلى منزل العائلة في ضاحية بيروت الجنوبية أشبه برحلة داخل لعبة المتاهة. ندخل من زاروب لنخرج من آخر تلافياً للوقوف الطويل على حواجز تفتيش السيارات. "إجراءات أمنية مشدّدة".
إنها داعش مجدّداً. وهل يخفى الوحش؟
في واحد من شوارع العاصمة، يكاد الشباب أن يجلسوا في منتصف الطريق. جلسة بطلتها الأركيلة، ومن يقود سيارته عليه مراعاة مزاج الشباب الطيّبين وإلّا...
مساكين ليس لهم من مجالات كثيرة للسّهر والفرفشة في زمن "داعش"، فليسهروا في عرض الشارع.
أتت الكهرباء؟ دار المولد؟ علِق أحدهم في المصعد؟ لعن الله داعش ومن لفّ لفّها.
قضينا في لبنان ما يقرب من أسبوعين. "داعش" كانت الكلمة التي سمعناها أكثر من التحيّة أو السلام. وما أدرانا نحن السيّاح المرفّهون بما يعيشه أهلنا في الوطن من تحدّيات على وقع داعش؟ ما أدرانا نحن الذين نعود في كل عام "للفذلكة" على أهلنا الصامدين هناك؟
ما ضيرنا من أكلة مسمومة أو مواد منتهية الصّلاحية؟ مَن له عمر لا تقطعه شدّة وداعش على الأبواب: "مش وقت النق".
قيادة السيّارة معركة طاحنة تسمع فيها كل أنواع الشتائم ما تعرفه وما ستتعلّمه. داعش على أبواب دارنا وأنا أشكو قلّة تهذيب شوفيرية بيروت! يا لقلّة تقديري.
عندما يغضب الجار من جاره فيُطلق عليه رشقاً غادراً يرديه قتيلاً أمام عائلته وأهل الحيّ، علينا دفن رأسنا في الرّمال والتّعامي عن حقيقة أن السّلاح بات لغة التّخاطب الأساسيّة في يوميّاتنا مع القريب والبعيد على حدّ سواء...  وعندما يُجهِز الزّوج على زوجته وينصرف لنفخ سيجارته فوق جثّتها فهذا لا يعني أنّ مجتمعنا بات ينخره السوس وأن موازين الأخلاق انقلبت أو انعدمت، علينا البحث عن طيف وحشٍ على الحدود لإلقاء اللّوم عليه.
بانتهاء أسبوعَي الإجازة انتبهت إلى أنّ كلّ مشاكل لبنان اليوم بسبب داعش... ناس البلد طيّبون، مهذّبون والأخلاق على قفا مين يشيل، هي فقط داعش تسمّم حياة المواطنين وتُخرِجهم عن طورهم "أحياناً". ما أضيق أعيننا نحن المغتربين والسيّاح، لكثرة ما خالطنا شعوباً مهذبةً ومبتسمةً وراقيةً لم يعد بمقدورنا تحمّل "شويّة" تعصيب.

No comments:

Post a Comment