Thursday 23 July 2015

كزهر اللوتس...


"وين أحسن؟ هون أو هونيك؟"

في كلّ مرّةٍ يطرح هذا السّؤال على أطفالي أراهم ينظرون إليّ كمن وقع في الفخّ. فهُم إمّا لا يملكون الإجابة الشّافية، وإمّا لديهم تصوّر عن المكان "الأحسن" ولا يريدون الإفصاح عنه لأنّهم على صغر سنّهم يعرفون أنّها تعني ما يشبه الخيانة أو التّخلّي عن أحد المكانين.

مللت من تعداد المرّات التي طُرح فيها هذا السّؤال علينا أنا وأولادي. وبتّ أتحسّب للمرّات الجديدة التي سأسمعه فيها.

سؤالٌ كلّيٌّ عامٌّ لا يحتمل إجابةً إلا بغمغمةٍ غير مفهومةٍ ولا تشفي الغليل.

"وين أحسن" قصّة طويلة، لها عشرات العناوين ومئات الأجوبة.

عندما استفسَر ابني ببراءة: "متى سننتقل إلى منزلٍ جديد؟" شعرت بمرارةٍ شديدة. أولادي اعتادوا أن نُغيّر منزلنا كلّ سنةٍ أو عدّة سنوات. إعتادوا الذّهاب إلى مدرسةٍ جديدةٍ والبدء في علاقاتٍ جديدةٍ مع أصدقاء جددٍ كلّ عدّة سنوات. ما أشعرني بالمرارة هو أنّ أطفالي لن يختبروا ما اختبرته من العيش في البيت الذي ولدوا فيه، محاطين بالأهل والجيران الذين شهدوا شقاوة طفولتهم ونزوة شبابهم. لن يكبروا مع أصدقاء طفولتهم بل قد لا يرونهم ثانيةً أبداً!

لكنّ هذا التّرحال سببه بالذّات البحث عن هذا "الأحسن"!

وأين هو هذا الأحسن؟

 هو المكان الذي أطالُه ويطالني، حيث أشعر بأنّني أمتلك يومي وغدي وآمَن على نوم أولادي وصحوهم.

هو حيث أستطيع أن أنعم بلمسة من أحبّ عندما يداهمني الصّداع أو أن أمتلك القدرة على زيارة ضريح والديّ عندما يهفّ قلبي إليهما.

الأحسن؟ هو مستقبل أطفالي، أكاديميّاً ومهنيّاً وعائليّاً. لم أحظَ كما لم يحظَ أولادي بمكانٍ واحدٍ يجمع كل ما سبق.

الجغرافيا التي تضمّ قلوبنا أنا وأولادي تضنّ علينا بالأمان... والمكان الذي نأمن فيه على يومنا وغدنا يفتقد ماضينا ونطفو على سطح أيّامه كزهرة اللوتس بلا جذور.


No comments:

Post a Comment