*
قيل قديماً "في السفر سبع فوائد"، وأنا أمنّي النفس مع كل فرصة ممكنة بجني فوائد جديدة.
يحلو لي أن أستكشف مدناً غريبة، أن أرى إذا كان فيها ما يشبهني، وما يشبه بلدي القريب البعيد،علّني أستعيده ولو غيابياً. أحب أن أتذوق نكهات جديدة فأعود الى نكهة إقامتي أكثر قناعة وحيوية.
..كل ذلك لم يعد مهماً بشروط العالم
الحديث الموصوف تحبّباً بالقرية الصغيرة. ما أحبه أو أكرهه لم يعد له من مكان ولا
من حساب.
حسابات السفر الجديدة تتلخّص بسؤال يُفترض أن لا
علاقة له بالسفر: من أنت؟
وأنا إنسانة عربية مسلمة، محظوظة
تبعاً للمقاييس العالمية الحالية بلون أبيض وعيون ملوّنة، لكن هذا الحظ لا يتخطى
عتبة جواز سفري، ففيه أصلي وفصلي وهما متّهمان تلقائياً بسوء النية وبالرغبة في إبادة
الآخر وقضمه وتفجيره.
أنا إرهابية الاسم والمولد ويجب ان أكيّف رغباتي
بالسفر تبعاً لهذا الواقع.
سأمنع نفسي عن مجرّد التفكير بزيارة عاصمة النور، فشروط السفارة الفرنسية تبدأ بأخذ بصمات الأصابع وتمر بقرنية العين وقد تنتهي بنحو شهر من الزمن.
سأمنع نفسي عن مجرّد التفكير بزيارة عاصمة النور، فشروط السفارة الفرنسية تبدأ بأخذ بصمات الأصابع وتمر بقرنية العين وقد تنتهي بنحو شهر من الزمن.
وللسفارة الأميركية قصة أخرى، إنتتظار
في صف طويل لا ينتهي، الإجابة "طوعا ً " عن أسئلة مهينة بحق أي فتاة
عربية، ومن ثم سماع الرفض المغلف بكثير من التهذيب وربما..بابتسامة!
والقائمة تطول..شمالاً، جنوباً، شرقاً
وغرباً.
بضع دول، ولأسباب أجهلها، قررت أخيراً
تيسير سفر الإرهابيين من أمثالي إليها من دون تأشيرة دخول!
تصوّروا انا التي أقف في صف انتظار
طويل في المطار أنظر بحسرة لإفرنجيين يدخلون ويخرجون بلا ولا شي، يقتلون القتيل
بطريقة استعراضية ويحملون حقائبهم السياحية ويمروا امام موظف الأمن مرور الكرام،
تصوروني أنا بكل ما يتضمنه جواز سفري اعتباطياً من لائحة اتهام طويلة، من أجندات
افتراضية، من نوايا مبيتة، أنا صاحبة الهوية المشبوهة أعيش هذا النعيم في المطار!
لا يهم أي مطار ولا أي بلد، ولم
يعد يهمني ما سأجنيه في سفري من فوائد، أريد هذا العزّ: دخولاً مزهواً بلا تأشيرة،
بلا أن أخلع ساعتي وحزامي وكل ما أحمله في جيوبي. أريد أن أعود بريئة حتى يثبت
العكس،أن أكون حفيدة كل من أسهم في رفد البشرية بما يفيد، أن أكون حفيدة الرازي
والخوارزمي وجابر بن حيان وابن خلدون على سن ورمح.
أبشّركم! عشت هذه التجربة في مطار
ماليزيا مؤخراً. لم أصدق انّني أستطيع
النزول من الطائرة، التقاط حقائبي ومغادرة المطار بلا ذل التفتيش والانتظار
والنظرات المتهِمة والمشكِكة والمفتشة عما يُريب. ولا أخفيكم، أنا أخشى تلك
النظرات وفي كل مرة أبدأ بحك دماغي، ماذا أكلت وماذا حلمت وما الذي سوّلته لي نفسي
من أفكار قد تبيح لتلك النظرات ان تستبيح سكينتي.
في مطار ماليزيا، لم أصدق ما
أعيشه من هناء وبقيت التفت ورائي بانتظار موظف الأمن الذي سيستدرك انني ارهابية
الهوية التي ..مرت مرور الكرام.
الأمن لم يلحق بي، ودخلت ماليزيا
وخرجت منها واستمتعت بطبيعتها ومطرها وفراشاتها وناسها المهذبين اللطفاء ولم
يحاسبني أحد على لوني ولا على اسمي ولا على ديني.
كنت إنسانة بكل معنى الكلمة، بلا وصمة
على جبيني، بلا تصنيف جاهز ولا مقولب. ويا له من عزّ قد أتعودُه وهذا امر خطير، ففي
النهاية انا من انا، عربية مسلمة في زمن الإنكسار الكبير.
لعل هذا ما قصده رهين المحبسين
ابا العلاء المعري بقوله: هذا ماجناه عليّ أبي!
فأنا إرهابية الأصل والفصل حتى
إشعار آخر!
No comments:
Post a Comment