كلّما عدت إلى لبنان في زيارة خاطفة يُلحّ عليّ هذا السؤال: "ما ومَن الذي يحدّد مقاييس الجمال؟"
أمّا سبب إلحاح السؤال فليس فقط للقوالب التي أجد أنّ
عدداً هائلاً من اللبنانيات قد طُبعن عليها، بل أيضاً لكيفيّة حكمهم على أشكالنا
نحن القادمين من الغربة، أي من خارج غرفة عمليّات التجميل الوطنيّة.
بتُّ أتحاشى عند زيارة لبنان أن أذهب للتبضّع أو لشراء
الملابس أو استشارة أخصائيّي التجميل. فأنا التي زرت عدداً لا بأس به من الدول
والتي عاشرت جنسياتٍ وأطيافاً مختلفة أشعر بالرهبة من التعاطي مع مواطنيّ التجار
على أنواعهم. النظرة الفوقيّة التي يرمقون فيها البشر وكيفيّة تقييمهم السافر
لحقيبتي ولساعة يدي ولمجوهراتي ليقرّروا بعدها طريقة تعاملهم معي، هذه النظرة
ترعبني ومن ثمّ تستفزّني فأتحوّل بدوري إلى شخصٍ سلبي يتململ من وجوده عنوة تحت
المجهر.
عندما حلّ دوري مثلاً في أحد صالونات التجميل
اللبنانية نظرت إليّ خبيرة التجميل بقرف وحسرة: "ليه هيك؟" ..
و"الهيك" هو أنّ حواجبي ليست حسب دفتر الشروط اللبنانيّ... للأسف حواجبي
ليست مفتوحة خط عرض أفقيّ بطول الأوتوستراد... والكارثة؟ شفاهي لم تنفجر
"بعد" لتنفلش على كامل وجهي...
طبعاً كلّ ما طلبتُ تنفيذه من تلك "الخبيرة"
كان "موضة قديمة" ولم تبالِ للحظة بذوقي وبما اعتبرتُ أنه يليق بي
وبالمناسبة التي سأحضرها. عاملتني كقاصر وهي البالغة الأدرى بمصلحتي، وبالقوّة. الأمر
نفسه تكرّر مع مزيّن الشعر الذي لم يحترم بالطبع لا الوقت ولا الموعد ولا الزبائن
ولا أيّاً من البديهيّات الأخلاقيّة في أيّ عُرف.
هل تملك بعض السيّدات مرايا في منازلهنّ؟ والأهمّ: هل
تنظرن إليها؟ وكيف يمكن لهنّ أن يقتنعن بأنّ الجمال يكمن فقط في الحواجب العريضة،
اللامعة وغير الطبيعيّة؟ أو أنّ الأناقة لا تكتمل بلا الحقيبة الشهيرة نفسها حتّى
ولو كانت مقلّدة وبلاستيكيّة وتبدو رخيصة للغاية؟
الخلاصة؟ عندما أزور لبنان أشعر بالغربة أكثر من وجودي
بالغربة. أنا البطّة السوداء في جنّة البلاستيك الوطنية.
*للتوضيح: قد أعمد يوماً إلى بعض الأساليب التجميليّة
للتحايل على العمر وآثاره المحبطة وحتّى لا أتّهم بالنفاق أوضح بأنّني أتحدّث هنا
عن المبالغة والتقليد الأعمى وليس عن التجميل بذاته.
No comments:
Post a Comment