Saturday, 13 October 2012

كان يا ما كان قبل ألف ليلة وليلة...

*
قبل آلاف الليالي سهرت صبية ماكرة ليالٍ طوال تحاور عقل الرجل وتناوره ضماناً لاستمراريتها، وسردت حكايا ذهب معظمها أمثالاً شعبية وحِكماً وتوّجت مجموعة القصص التي ضمها مخطوط "ألف ليلة وليلة" على رأس الأدب الشعبي في كل زمان ومكان.
قبل سنوات وفي الذكرى الأولى لميلاد ابني البكر زرت برفقته أحد معارض الكتب السنوية. كانت عربات التسوق تحيط بنا في أروقة المعرض وكأننا في سوبرماركت يتبضع بها المتسوقون كتباً بالكيلو.
كان هدفي حينها ان أهدي إبني كتاباً يفتتح به مكتبته الخاصة؟ وأن أحبّب إليه فعل القراءة من الصغر.
وتساءلت: ما الكتاب الذي سيضيف الى رصيده اللغوي والأدبي؟ ما الكتاب الذي سيفتح له آفاق الخيال ليبحر واسعاً في حياة تمتد وتتشابك خطوطها الحمر عاماً بعد آخر.
بدا الجواب شديد الوضوح في ذهني: إنه"ألف ليلة وليلة".
الكتاب الذي رافقنا في أمسيات الحكايا صغاراً، أوقد شعلة الإبداع لكثير من الكتاب والموسيقيين والفنانين وألهم ملايين البشر حول العالم على مدى السنين.
إنه ألف ليلة وليلة نفسه الذي يواجَه اليوم بحملة ظلامية تبدو شديدة النفور في القرن الواحد والعشرين الذي يشهد ثورة علمية وتكنولوجية قوامها الأساسي حرية الإبداع!
عندما يتقدم عدد من المحامين في مصر بدعوى ضد "الهيئة العامة لقصور الثقافة" (وهي هيئة حكومية مصرية) ويدعون لسجن رئيسها ويطالبون بمصادرة كتاب ألف ليلة وليلة الذي أعيد نشره حديثاً عن سلسلة "الذخائر" التي يرأس تحريرها الكاتب جمال الغيطاني فهذا يعني أن البعض يستطيع أن ينفي كل الأبعاد الانسانية والأدبية والتاريخية عن هذا الإبداع الذي عمّ الأرض من مشرقها لمغربها بحجة انه... خادش للحياء!
كيف لنا أن نفتح صفحة المستقبل بثقةٍ إن كنّا نقفل وبإحكام كلّ نوافذ الماضي؟
الممنوعات والمحظورات في حياتنا أصبحت كثيرة تكبلنا عن وعي وعن غير وعي، تمارَس علينا مختلف صنوف الرقابة ومنها ما نمارسه ذاتياً بإصرار الرقيب الصارم نفسه. ممنوع علينا اليوم أيّ نقاش حر أو حتى مراجعة بريئة في الأدب كما في السياسة والدين أو التراث.
هل هذا مرض أم عرَض؟
في حال خطر لكم البحث يوماً عن حجم الكتب المنشورة سنوياً في أنحاء الوطن العربي الشاسع ستدركون ان هذا مرضٌ وانه وصل حدّ العضال.
ويبدو ان أحد الصبورين احتسب كمية القراءة في عالمنا العربي فوجد أن متوسط القراءة لكلّ فردٍ عربي لا يتجاوز ال6دقائق سنوياً! وهو رقم مخيف حتى من دون مقارنته بأي رقم آخر في أي مكان في العالم.لكن المعلومة تكتمل بذكر متوسط القراءة للفرد في الغرب والذي يصل الى 12 ألف دقيقة سنوياً!
نسبة الأمّية في وطننا العربي 28%من مجموع السكان. نسبة الأمّية لدى النساء العربيات 40%!
هذه الارقام يبدو أنها لم تثر حفيظة مجموعة من الباحثين عن الشهرة والساعين لتجهيل الناس.
مجموعة ارتأت أن الأفضل لعموم العرب أن يقرأوا ما يبقيهم في خانة التابع المكتفي بقراءة كتب الطبخ والتنجيم وكتب بلهاء تعلمك نظرياً كيف تنجح مهنياً وعائلياً واجتماعياً...
لو علمت شهرزاد أن مصيرها سيُقرَر في المحاكم وأن نهايتها ستكون على يد حفنة من الجهلة لعلها كانت اختارت سيف"مسرور" وصمتت من تلقاء نفسها عن الكلام غير المباح!
 
* نشر سابقاً في موقع CNBC عربية الالكتروني
  

No comments:

Post a Comment