بعض الأمور تحفر عميقاً في وجداننا فيستحيل نسيانها.
نسيت الكثير على مدى الأعوام التي عشتها وأعمل جاهدة على
نسيان بعضها الآخر.
لكنّني لا أنسى مثلاً الحديث العنصريّ المستفزّ
واللاأخلاقيّ لإحدى الصحفيّات اللبنانيّات. تلك التي عايرت مهجّري الجنوب إبان حرب
2006 بأنّها طبخت لهم وأطعمتهم في عزّ هربهم وأزمتهم وخوفهم.
البعض التمس العذر لتلك الإعلامية على اعتبار أنّ كلامها
جاء في معرض التنديد بأحداث بيروت عام 2008. يعني هي ندمت على موقف إنسانيّ
وأخلاقيّ قامت به تجاه مواطنيها الأبرياء العزّل بسبب موقف سياسيّ وعسكريّ لحزب
سياسيّ وعسكريّ قام بواحدة من جولات الحروب الكثيرة التي شهدها وطننا العظيم على
كافّة أراضيه ومن كافّة أطيافه وطوائفه.
أعود إلى تلك الإعلامية "الزميلة" تلك لأذكّر
نفسي وغيري بأنّه من لم ولا يقبل منطقها عليه أن يرفض اليوم وبقوّة ممارسات البعض
(أفراداً ودولة) تجاه اللاجئين السوريّين العزّل بدورهم، والأبرياء بدورهم، وهم أيضاً بأمسّ الحاجة
إلينا اليوم في عزّ هربهم وأزمتهم وخوفهم.
في الحالتين، حالة الندم على مساعدة أهل الجنوب وحالة
العنصريّة الهمجيّة في التعاطي مع اللاجئين السوريّين، نجد أنفسنا أمام تأكيد مؤلم
لحقيقة أنّ بعضنا فوقيّ بطبعه، عنصريّ بتربيته، وهمجيّ بممارساته.
لا يهمّ متى وأين تظهر عنصريّتنا فهي كامنة أبداً فينا،
تظهر تارة تجاه العاملات الأفريقيّات والآسيويّات، وطوراً تجاه الوافدين السودانيّين
والعراقيّين. وهي اليوم تأخذ شكل الطقس الوطنيّ في تمظهرها حيال اللاجئين السوريّين.
غوث اللاجئ أو المحتاج، مساندته، وفي الحدّ الأدنى تحمّله، موقف
إنسانيّ وأخلاقيّ ومبدأيّ لا يتطلّب بعداً دينياً ولا توافقاً سياسيّاً ولا حتّى
قدرة ماليّة. كلّ ما يتطلّبه تربية مدنيّة نفتقر إلى الحدّ الأدنى منها.