العمر يمضي. بهفواته وبزلاته، بإنجازاته
وبإحباطاته...أراه يمضي متناثرا من بين أصابعي، أحاول اقتناصه،أتمرد على قسوته، أداعبه
ببعض المرح، ببعض الفرح... فيستكين لفترة.
لكنه سرعان ما يكبح. أراني معه، نواجه معاً مطباً هنا،
عثرة ً هناك فينتفض قالبا عليّ كل ما شهده من مواجع.
ها هو يقرصني اليوم على أعتاب ميلادي الأربعيني. "أفيقي"...قال.
"أفيقي ولا تهدريني جزافاً بين المنحدرات".
"لنجري كشف حسابنا المؤجل"، اقترح عمري متحدياً،
"ما الأقسى الذي واجهناه معاً؟ الحروب؟ إنها علقم الجغرافيا ولا حول لنا فيها.
الموت؟ وهل تعلمين الى أين مضى الغائبون؟ لعلهم في مكان أفضل ينتظرون التحاقنا بهم
بأناة وشوق.
المرض؟ إنه التجربة التي لا بد منها ليكتمل المشهد على
طريق الغياب
ما الأقسى؟ الغربة؟ الترحال؟"
قاطعتُه: إنها الخيبة... فصَمَت.
إنها الخيبة...كانت الأصعب على مدى سنواتي الأربعين يا
عمري. الموت والغياب عوضهما حنان لامتناهٍ وإيمان عميق بقدرة القدر.
المرض، الغربة، الحروب كبيرها وصغيرها؟ كلها حجارة على
هذا الدرب...تماماً كما قلت يا عمري.
صدقاً، إنها الخيبة...لعلها أكثر ما حفر في سنواتي
الأربعين...الخيبة من الأشخاص ومن الأشياء ومن الأمكنة.
الخيبة من بشر فرشتُ لهم قلباً مطواعاً في كل الظروف فإما
استخفوا بمعدنه، وإما / وهذا الأقسى/ اعتبروه تحصيلاً حاصلاً وليس قرارا ًواعياً
بمنحهم المودة الخالصة عن سابق إصرار وبلا طمع سوى بمعاملة بالمثل.
الأمكنة؟ تلك التي أعطيتها انتماءاً بلا حدود فرفستني
مرة بعد أخرى ولم تزل.
الأشياء؟ إنها كل ما لا أجد له اسماً ولا تفسيراً، لعله
طبق حلوى بدا متعة للعين لكن طعمه لم يرقَ لحلاوة منظره. لعله مشوار انتظرته
أياماً فركنني على الرف في عطلة الأسبوع. لعله عنوان سعيت لاستكشافه بحماسة ففتح
بابه مواربة وبلا أدنى ترحيب. لعله حلماً طاردته حتى تعبت من مجرد التفكير به
وعجزت عن تحقيقه.
إنها الخيبة، تلجمني على أعتاب أربعيني من أن أحلم بغد
فيه بشر وأمكنة وأشياء من طينة مختلفة فيتكرر المشهد، بل تتكرر الخيبة.
No comments:
Post a Comment