Wednesday 16 March 2016

... عاصفة من الهدوء



قالت لي صديقتي إنني أصبحت أكثر هدوءاً. ما كنت لأوافقها أكثر.

الهدوء هو آليتنا الدفاعية الوحيدة في مواجهة كل هذا الجنون المحيط بنا، الهدوء هو إجابتنا الممكنة الوحيدة على هذا الإحساس المتعاظم بالعجز.

عندما أضع رأسي على المخدة لأنام ليلاً تتقد عشرات الأفكار في رأسي.

أفكر وأفكر... في جنون الهوية الذي يشطرنا أدياناً ومذاهب، أعراقاً وإثنيات، قناعات وأيديولوجيات لكنه يمحي حقيقتنا الأوحد: إنسانيتنا.

أفكر بمدى صحة خياراتي التي ستترك أطفالي وأحفادي هجيني الإنتماء بين عالمين أو أكثر.

أفكر بيومي وبغدي وما بعد بعده.

أفكر بمهنتي التي دفنت قلبها وأصبحت مجرد يد تغرز الخنجر عميقاً في أي جرح مفتوح.

أفكر بالطفل الذي رأيته عبر الشاشة يطوف شوارع بلده عارياً من الملبس والعطف ولقمة الطعام.

أفكر في الأهل الذين يضعون أطفالهم في زوارق اللجوء غير عارفين: هل سيكون الزورق كفنهم أم طوق نجاتهم.

أفكر في الدموع المكابرة في عيني الرجل السبعيني الذي نظر إلى ركام منزله في حمص فتراءى له عمره المهدور كداً وتعباً لرفع جدران منزل انهار بلحظةِ حربٍ عبثية. ذكّرني الرجل المسن بأبي وبعشرات المرات الذي رأيته في هذا الوضع المغلوب على أمره...

لم يستطع أهلي شيئاً أمام هول الأحداث التي توالت علينا، لم يكونوا يوماً عنصراً مؤثراً في المعادلة التي تحكم عالمنا... كانوا كما نحن اليوم، مجرد أرقام وأسماء تتقاذفها الأهواء والمصالح...

لم يستطيعوا ولن نستطع شيئاً... نفعل كما فعلوا، نضع رأسنا بين الرؤوس ونصلي ألا يكون رأسنا هو التالي في لعبة الفيلة...

أرتب الوسادة جيداً تحت رأسي، أغمض عينيّ وأفكر:
بإبني وبعزفه المتقن على البيانو ...

تبدو هذه الحياة فجأة نابضة بالكثير من الاحتمالات. هذا ما كانت عليه وهذا ما ستبقى عليه دائماً.

أشعر بفكرة جديدة تصارع لتحتل الصدارة ... أبعدها بهدوء... وأنام ملء جفنيّ.

No comments:

Post a Comment