Saturday 13 October 2012

أريد مترجماً

*
 
ولدا صديقتي الصغيران لا يستلطفانني!
أمازحهما، ألاعبهما، لكنّهما ببساطة ينظران اليّ شذراً بتعابير تنم عن السأم الشديد.
جريمتي أنني أصرّ على مخاطبتهما باللغة العربية! لا أحدّثهما بلسان سيبويه الفصيح بل بكلمات عامّية هجينة هي خلاصة ما تبقّى لنا من لغة عربية ورغم ذلك لا يردّان ولا يفهمان ويرفضان هذا التخاطب جملةً وتفصيلاً.
صديقتي تلعب اليوم دور المترجم بيني وبين ولديها، أحدّثهما بالعربية فتنقل كلامي لهما باللغة الانكليزية التي باتت لغتهما الاولى والوحيدة وهما طفلان عربيان لوالدين عربيين يعيشان في دولة عربية.
هذه الغربة اللغوية لدى توأمي صديقتي ليست بحالةٍ شاذة، أواجهها يومياً ولدى أطفال معظم من ألقاهم من مواطنين ومواطنات عرب. بل إن إتقان إبني الذي لا يتجاوز عمره الستّ سنوات للغة العربية بات مثار استغراب هؤلاء ومدعاة لثنائهم على مواهبي وكأنني قمت بإعجاز لا قبل لهم به.
حرصي على اللغة العربية غير نابع من رغبة في البقاء أسيرة جدران معزولة، فتعلّم اللغات الأجنبية بل إتقانها يفتح أبواب عوالم غنية، فيها مفاتيح علم وتكنولوجيا، وأنا أحترم ذلك تماماً لكن الأمور وصلت حد التخلّي الكامل عن لغتنا الأم.
ويلفتني أن البعض يرطن اليوم باللغات الأجنبية إعلاناً لمقام اجتماعي أو مالي أرفع، فهذه اللغات تُفرّغ من بُعدها العلمي والثقافي لتصبح تعبيراً سطحياً عن مكانة أو "بريستيج" متكلف وسخيف.
حتى هذا السخف مقبول طالما أنّه ليس على حساب اللغة العربية، اللغة التي أفكّر بها، أحسن التعبير بواسطتها وأحبّ وأكره بمفرداتها؟
أن أقرأ وأن أكتب بلغة اجنبية فهذا مصدر غنى وقيمة مضافة لمعارفي وثقافتي، أمّا أن أجهل لغتي الأمّ ولا أفلح في فكّ حروفها فهذا الجهل بعينه.
هل تتصوّرون أن يستمتع أطفالكم يوماً بروائع النتاج الأدبي الغربي وهم محرومون من التمعّن ببيت شعر واحد لشاعر عظيم كالمتنبي مثلاً؟ أو الإبحار في عوالم مدهشة مع صوت فيروز؟
قد يحاجج البعض بأن هذا كلامٌ عاطفيّ وهو أمر لا أنفيه، لكن لغة الأرقام تدعم بدورها ما أقوله، فقد أظهرت دراسة حديثة لمؤشر فرص العمل أجراها موقع التوظيف المعروف في منطقة الشرق الأوسط بيت دوت كوم بالتعاون مع باحثيYouGov Siraj ان مهارات التواصل باللغة العربية تعتبر ميزة إضافية بالنسبة للمؤسسات في المنطقة عند قيامها باختيار موظف جديد، وقال 60% من أصحاب المؤسسات المستطلَعة آراءُهم إن هذه القدرة على التواصل باللغتين العربية والانكليزية هي الأكثر رغبة عند اختيارالمرشحين للوظائف!
في السياق ذاته أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "إبسوس" الدولي للدراسات قبل فترة وجيزة لصالح جريدة "الإمارات اليوم" ان 61% من السكان الأجانب غير الناطقين باللغة العربية في دولة الامارات العربية المتحدة يؤيدون إلزام تعليم اللغة العربية! علماً ان المدارس الخاصة في الإمارات تُلزم الطلبة من الجنسيات العربية تعلّم اللغة العربية وتترك للطلبة الأجانب حرّية تعلّمها. واللافت أن بعض الأهل العرب من حاملي الجنسيات الأجنبية يفضلون تسجيل أطفالهم في المدارس بجنسياتهم "الغربية" بهدف إعفائهم من تعلم "لغتهم".
اللغة العربية ليست قواعد وحروف، اللغة العربية هويّة وتاريخ وعندما نتخلّى عنها في عداد ما نتخلّى عنه في هذه الأيام يعني أنّنا نبتر ما يُبقينا على تماس مع سكينتنا،مع جذورنا ومع أرواحنا.
 
* نشر سابقاً في موقع  CNBC عربية الالكتروني
 


No comments:

Post a Comment